كثيرا ما تحدثنا عن ضرورة غربلة القوانين للتمكن من التوصل إلى تكييف يتواءم مع القضايا التي استشرت في الآونة الأخيرة والتي قد لا يكون المشرع أغفلها ولكنها لم تنبئ حينها عن ضرورتها وخطورتها في ذلك الوضع.
ولكن مع تعقد الحياة التي نشهدها اليوم بالصورة التي آل إليها بعض أطياف المجتمع باتت ضرورة تغليظ العقوبات وتعديل بعضها والتخفيف من بعضها لتكون ملائمة مع مجريات العصر الحالي.
وعلى الرغم من أن ذلك هو دور المشرع البرلماني في الأصل وعلى الرغم من عدم ممانعة الدستور من قيام الحكومة بدور تشريعي وذلك من خلال التفويض من البرلمان في بعض الأحيان حتى لا يحدث تداخل في الاختصاصات إلا أننا نجد أن المسؤولية اليوم ملقاة على كاهل الحكومة بالدرجة الأولى، وهذا أمر طبيعي كون الحكومة لديها إدارة الفتوى والتشريع التابعة لمجلس الوزراء ولديها إدارة مختصة بالتشريع يعمل فيها قانونيون متمرسون في عملهم، ومن المفترض أن الدولة قد انتقت من بين الخريجين الأفضل لينال شرف لقب محامي الدولة.
وهم بالحقيقة ومن خلال ما نشهده سواء من نتائج الاستجوابات أو من خلال مشاريع القوانين المقدمة يتقنون عملهم بدرجة كبيرة، ولنا على سبيل المثال المشروع الأخير المقدم من الحكومة في تعديل قانون الرشوة ليشمل القطاع الخاص.
وهذا تحديدا وبالمصادفة كان سؤالا يدور في ذهني عن تداعيات عدم المساواة في جرائم الرشوة بين القطاعين الحكومي والخاص وذلك لأن الدولة كما هي معنية بحماية مصالحها وأموالها فيجب عليها أن تحمي على قدر من المساواة مصالح الأفراد، وخصوصا أن القطاع الخاص اليوم يشكل عصب الدولة بما له من تداخل مع الحكومة والكم الذي يعمل به من العمالة سواء الوطنية او الأجنبية، وعليه لا يمكن للدولة أن تتهاون في قضايا الرشوة في القطاع الخاص لأن أثرها سيكون موازيا لما هو عليه في القطاع الحكومي.
فاليوم لدينا مستشفيات خاصة ولدينا جامعات خاصة وشركات بترول خاصة وبنوك وغيرها من القطاعات الاقتصادية المهمة حيث من الضروري أن يكون هناك قانون يحمي مصالح الأفراد وخصوصا أن الدولة منفتحة على الخصخصة أي أنها ستنقل قطاعات كانت تحتكرها وحدها إلى القطاع الخاص، وهذا من الضروري أن تتم حمايتها بالقانون لخطورتها.
فعلى سبيل المثال، تريد الدولة خصخصة قطاع الكهرباء والماء وحينها سيكون مملوكا للقطاع الخاص ومتى ما لم تقم الدولة بفرض مثل هذا القانون فسيكون هذا القطاع المهم عرضة للرشوة لعدم الدفع أو تغيير أسعار الفواتير وما شابه.
ومثله في قطاع البريد فقد يتم إرشاء موظف لإرسال بريد ممنوع أو محظور أو مخالف للقانون، والرشوة سهلت على المرسل إرساله وهذا على سبيل المثال وليس الحصر، فهناك الكثير من القطاعات من الضروري أن تتم حمايتها حتى على سبيل التجارة العادية، فتجريم الرشوة في القطاع الخاص ستحد مثلا من قضايا المنافسة غير المشروعة.