كثر الجدل في الآونة الأخيرة عن الموافقة على قبول خريجي كلية الشريعة لممارسة مهنة المحاماة، وعلى الرغم من أنني من أشد أنصار كلية الشريعة لما لأهمية هذه الكلية للمجتمع، إلا أنني من اشد معارضي ممارسة خريجي الشريعة لمهنة المحاماة، وذلك لأن الأمرين مختلفان ولا علاقة لأحدهما بالآخر.
البعض يعتقد بأن قبول خريجي الشريعة لممارسة مهنة المحاماة واجب شرعي، والأمر على خلاف ذلك، وذلك لما لاختلاف التخصصين عن بعضهما البعض، فلا علاقة للمحاماة بالشريعة ولا علاقة للشريعة بالمحاماة، فكلاهما مختلف عن الآخر فالشريعة تخرج أئمة وفقهاء في الدين، وعلى الرغم من أن الشريعة مصدر رئيسي في التشريع، إلا أن خريجي الشريعة الأحرى أن اغلبهم يكونون في قسم الإفتاء في الأمور الدينية ولكن المحاماة بعيدة تماما عن تخصصهم.
فمن لا يعرف طبيعة الدراسات القانونية يعتقد بأن الشريعة والقانون يكملان بعضهما البعض وهما على العكس من ذلك، وذلك لأن القانون يدرس آليات وفنيات لا علاقة لها بالشريعة، فهناك مواد كثيرة وقواعد كثيرة تدرس لطلبة القانون تعلمهم آليات وفنيات ممارسة مهنة المحاماة، وهذه الأمور ليست محرمة، بل على خلاف من ذلك فهناك قواعد قانونية وفنيات سواء في القضايا المدنية والتجارية وطرق الإثبات والمرافعات والحقوق العينية والعقود الإدارية والدستور وغيرها الكثير من القواعد التي لم يدرسها خريجو الشريعة، وبالتالي هم بحاجة للدراسة لأربع سنوات متتالية للتمكن من الترافع أمام الدوائر التجارية والمدنية والجزائية والمحكمة الدستورية وغيرها.
لذلك، فقرار السماح لخريجي الشريعة بأن يمارسوا مهنة المحاماة بعد إخضاعهم لدورة تدريبية، قرار غير سليم وغير قانوني، وذلك لأنه مخالف للقانون بأن يتم السماح لطائفة بممارسة عمل فني دقيق كمهنة المحاماة لمجرد الحصول على دورة تدريبية، وذلك لأن فيها ضياعا لحقوق المتقاضين.
فإذا كنا نعاني اليوم من الاستشارات القانونية الخاطئة التي يدلي بها بعض المحامين الذين يحملون شهادات من جامعات غير قوية وورطت الكثير من المدعين وضيعت حقوق الكثير من الأفراد، فما الذي سيحدث مع خريجي الشريعة الذين هم بالأصل غير قانونيين ولا علاقة للشريعة بالقانون سوى بالمواريث، فحتى الأحوال الشخصية لها قانون خاص.
فهذا أمر غير جائز وغير مقبول والأمر أشبه كما نقول للصيدلي أن يمارس مهنة الطب، فالصيدلة شيء والطب شيء آخر، وهكذا هي علاقة القانون بالشريعة، فبعض غير الدارسين للقانون يعتقدون أن مهنة المحاماة تقتصر على استخراج نص القانون وتعيين مستشار في المكتب لصياغة المذكرات القانونية وعرضها على القاضي، والأمر مختلف تماما فالمحامي تقع عليه مسؤولية تسيير وتكييف الدعوى واستخراج المثالب والثغرات القانونية حتى انه يستطيع ان يطعن بعدم دستورية بعض المواد القانونية التي تخالف الدستور، وهو بالتالي بحاجة ان يكون قد درس الدستور وفهمه وتعرف على التقنيات الفنية في الدستور.
أنا أعرف تماما أن أعضاء مجلس الأمة على علم تام ومعرفة بكل ما ذكرته إلا أننا لسنا بصدد المجاملة، وعليه فإن إقرار مجلس الأمة لهذا القانون قابل للطعن بعدم دستوريته لدى المحكمة الدستورية.