إن طرق الإثبات بين الماضي والحاضر تختلف معها الآليات، فما كان يعتد به في زمن لم يكن هناك طريق للإثبات إلا مسلكا معينا فهو اليوم في عصر التكنولوجيا وفي عصر الأرشفة الإلكترونية والشهر والتسجيل لم يعد له جدوى.
ففي الماضي لم يكن يوجد للدولة أرشيف ولم يكن هناك أصلا دوائر حكومية أو قاعدة بيانات معلوماتية، وعليه فإن اللجوء إلى طرق إثبات تعتمد كما في حال الحيازة في العقار بأن يقوم احد ما بالسيطرة الفعلية المادية على شيء لفترة من الزمن بالظهور عليه بمظهر المالك وبالتالي فقد أجاز له القانون التملك متى ما ظهر وكأنه صاحب حق مع سكوت المالك الأصلي.
وهذا الأمر موجود في القانون المدني فهو إن كان يصلح للتطبيق في الثلاثينيات أو الأربعينيات من الزمن المنصرف إلا أنه مع وجود السجل العقاري في وزارة العدل أصبح من يدعي الحيازة بلا سند في حكم سارق العقار وليس مالكه.
وهذه بالتأكيد ستحول القضية من مدنية إلى جزائية حيث انه لا احد يجوز له أن ينتزع ملكية أحد حتى ولو كان هو المنتفع من هذا العقار وحتى لو كان يبدو عليه بمظهر المالك.
وعليه فإن أولى أساسيات قواعد الملكية وصفاتها انها دائمة أي لا تزول بوجود الحق فمادام الحق موجودا. دامت الملكية معه وهي بالتالي غير قابلة للتأقيت وإلا لو قمنا بتطبيق مثل هذه القاعدة بالحيازة على العقارات لأفرغنا سندات الملكية من مضمونها ولتم التحوير في طبيعة حق الملكية غير القابل للتأقيت.
وهذا ما يجعل مع الأسف بعض القوانين حتى لو كانت تصلح في زمن لم يكن له طرق في إثبات الحقوق سوى الطرق البدائية والشهود والظاهر العام إلا أن اليوم الوضع تغير كثيرا.
لذا فإنه إذا ما حدث غش وأصبحت هناك ملكيتان لهما سندان قانونيان، فهذه تدخل في نطاق آخر من القانون ولكن الحائز بلا سند من المفروض ألا يكون له أي صفة قانونية تمكنه من أي حق، فهل يعقل منتفع لعقار سواء أكان بالتراضي او بالإيجار أن يتحول إلى مالك بقرار من المنتفع الحائز في حال التقادم وسكوت المالك عنه؟ هذه بالتأكيد لا تدخل المنطق.
فاليوم كما ذكرنا سابقا هناك الكثير من التشريعات التي لا بد أن تصدر تشريعات أخرى تلغيها لأنها لم يعد لها جدوى وتطبيقها لا يجوز وهو غير شائع وبالأخص أن القانون المدني نفسه حدد الملكية وشروطها وحدد حتى العقارات غير المملوكة لأحد ولا يعرف مالكها فتؤول ملكيتها للدولة، فكيف لها إذن أن تكتسب بالحيازة والتقادم؟
فما كان جائزا ومقبولا في زمن لم يكن للتكنولوجيا فيه أي دور في الإثبات أصبح اليوم بعض نصوص القانون بلا جدوى وهي تناقض بعضها الآخر فلا يكون الاستنساخ للقوانين أمرا مجديا بل لا بد أن تتماشى كافة القوانين مع بعضها بعضا ولا يلغي أحدها مضمون الآخر.
فإذا كان القانون المدني ذاته يعتبر الملكية حقا عينيا أصليا غير قابل للتأقيت فكيف لنا أن نناقضه بحق الحيازة من حائز بلا سند وهو على خلاف لو كان لديه سند ملكية حصل عليه من آخر عن طريق الغش والتزوير هنا أمرها مختلف.
وعليه فإن إسقاط بعض القوانين بات أمرا ضروريا وملحا وهي من الأولويات التي نناشد المشرع لدينا ضرورة الالتفات لها وإعطائها أولوية ضمانا لحقوق الأفراد وحماية للغير، فحقوق الأفراد وعدم إهدار ساحات القضاء بدعاوى لا جدوى منــها، هذه من المفروض أن تكون من أولويات البرلمان لدينا.