حالة غريبة تستشري في المجتمع هذه الأيام، لا ادري اذا كنت عزيزي القارئ لاحظتها معي ام لا، المجتمع عندنا صار يعشق التعصب والتحزب في كل شيء، صار لابد من سياسة وثقافة التخندق ضد الطرف الآخر على اعتبار ان هذا الآخر هو خصم او غريم مادام يختلف معي في بعض التفاصيل او الشكليات دون اي اعتبار لصحة هذا الاعتقاد او سلامة هذا الطرح او قوة الحجة والبرهان، المهم التحزب في جماعة معينة (كنتونات) او تعتبر ضعيفا مسلوب الإرادة، ويبدو ان هذه الطريقة في التفكير وصلت حتى للطبقة المثقفة والمتعلمة من أبناء هذا الوطن وعلى مستويات عالية في مؤسسات الدولة.
انت شيعي أم سني، تشجع ريال مدريد ام برشلونة، تاكل همبورغر ولا مجبوس، قدساوي ولا عرباوي، انت مع قطر ام السعودية، تسافر بالصيف ولا مقزرها بالأفنيوز، انت من قبيلة فلان او قبيلة فلان، كل هذا يبدو في الحدود الطبيعية، على الرغم انها بالنسبة لي ليست كذلك، ولكن احاول ان ابلعها وأتجاهل، يقولون العافية كلها بالتجاهل، لا أحب ان ادخل في لعبة التصنيفات اللعينة تلك لأني عارف حظي زين، لو انا في ديوانية وقلت انا برشلوني انا متأكد ان كل الحاضرين من مشجعي الريال أكيد، لذلك تجنبا لتلك اللحظات الحرجة انا عادة أتجنب الدخول في مثل ذلك العراك الاجتماعي الأزلي في الشارع الكويتي، الذي يبدو انه ازداد حدة مع ظهور السوشيال ميديا.
غير ان مما أثار تعجبي هو تلك الموضة الجديدة في الساحة، انت من اي فخذ؟ صديقي يسأل، طيب خلصنا انت من اي قبيلة والحين انت من اي فخذ، ليش؟ بطلع لي بطاقة مدنية مثلا؟ او حضرتك مشبه علي؟ كائن حي بشر أمامك يعني وش تتوقع أجيبك، بغض النظر عن جواب ذلك السؤال، اللي أنا متأكد أني لو أجبته لدخلنا في السؤال الذي يليه من اي فرع؟ من اي بطن؟ من اي كذا ومن اي كذا، هذه الثقافة لم تكن موجودة بالتأكيد على ايام جدي وجدك عزيزي القارئ ربما تختلف بالرأي معي ولكن اسمع هذه، لازمت جدي سنين طوال رحمه الله وأنا من عايلة كلها نواخذة اما وأبا، وكنت استمتع بأحاديثه مع أصدقائه في منهم بعمره ومن جيله رحمهم الله، لم اسمع جدي يسأل احدهم ويقول هذه العبارة (انت من اي فخذ) ولا حتى مزحا، اكاد اجزم ان هذه الأمور دخيلة علينا في المجتمع الكويتي، لا ادري لماذا صار البعض يصنع من المجتمع الكويتي مجاميع صغيرة تحت شعارات فئوية او قبلية او عرقية أو طائفية معينة، وكأن المرء لا يشعر بالأمان إلا داخل هذه الدوائر وكأن الوطن لا يحتملنا جميعا او ان البعض يريد ان يميز نفسه بخاصية معينة فلم يجد إلا هذه، وأرجو ألا يفهم كلامي خطأ، القبيلة محترمة، التعصب القبلي لا، الطائفة محترمة التعصب الطائفي لا، والوطن يتسع للجميع بلا استثناء دون تمييز، دع عنك تلك التقسيمات وكفى.
صديقي يسأل: انت من أي فخذ؟. أنا: من بيان قطعة 2 ودمتم سالمين.