كلما سمعت ذلك الصوت طربت له، ذلك الصوت الرخيم القادم عبر أثير الراديو الساعة الثامنة مساء، عشقت الصوت حتى صار كالإدمان، صوت مليء بالذكريات والشجن، صوت كويتي أصيل من (أهل أول)، مكي القلاف في إذاعة الكويت بمقدمته الشهيرة (كان يا مكان في ذلك العصر والأوان)، بالنسبة لي لم يكن مجرد مذيع في برنامج، بل كان مثالا على ماضي الكويت الجميل بكل قيمه وجمالياته وتفاصيله، بعض الأحيان أتساءل هل انا وحدي من يستمع الى تلك القصص أم أن ذلك الصوت الكويتي الجميل قد ألقى سحره وتأثيره على أناس آخرين مثلي.
فوجئت عندما عرفت ان الراحل مكي القلاف كان كاتبا للمسرحيات وأيضا لمسلسلات الأطفال في التلفزيون التي عشقناها صغارا وانا من جيل الثمانينيات، جيل الطيبين، أعترف بأن ثقافتي الفنية وقفت عند مسرحية لولاكي، وأعتقد ان الحكومة قد قصرت في إعطاء عمالقة الفن عنـــدنا ما يستحقون من تكريم في حــــياتهم وبعد مماتهم، لا أريد أن افتح الجروح القديمة فتركها أسلم، دعونا اليوم نتذكر الغالي مكي القلاف، حجي مكي الذي رحل عن عالمنا ورحلت الحزاوي القديمة، وأنا أعلم ان جيل الآيباد يجهل أصلا معنى كلمة «حزاوي».
كنت ولا زلت عاشقا للبرامج الثقافية في الإذاعة، منذ أيام الدراسة في الجامعة، وعندما رجعت للكويت لم اقطع تلك العادة وعلى ندرة هذه البرامج في إذاعتنا، وجدت نفسي أتعلق اكثر ببرنامج مكي القلاف وقصصه الساعة الثامنة مساء، كل يوم، عشقت تلك القصص بشخوصها وأبطالها وتفاصيلها، كأنها أمامي تتحدث، أسلوب الحجي مكي آسر للفكر والحلم، يأخذك بكلتا يديك لتمضي في عالم من الأحلام والخيال، تتألم إذا أصيب بطل القصة وتفرح أيضا لفرحه، الكلام الكويتي الأصيل المفردات القديمة التي كادت تنقرض حياتنا في فرجان أول والمدينة القديمة، كل ذلك وأكثر تجده في معين قصص الحجي مكي، يا ربي ما اجمل ذكراه، لم التقيه يوما، ونادم على ذلك لكني ما زلت أترحم عليه كلما تذكرت نبرة الصوت الوخيمة تلك، ما أجمل ذكراك وما اقصر هذه المقالة، رحلت وتركت لنا الذكرى العطرة كما يفعل أبطال القصص الأسطورية وانت الذي تتكئ على عصاك، وفي النهاية ليس أمامنا إلى القبول بقضاء ربي سبحانه، مكي القلاف على ذكراك السلام يا صوت الكويت.