«لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»، خسر المؤمنون اليوم ابنا مؤمنا قل نظيره في العمل الدؤوب ليلا ونهارا، إنه المرحوم الحاج عباس عيسى القطان (أبوحمزة)، الذي كان يقضي وقته في تنسيق الأنشطة والفعاليات واللجان، وكان يهتم بكل صغيرة وكبيرة، ورغم وجود سكرتارية مرافقة لمكتبه في حسينية الأوحد إلا أنه يحرص على الاتصالات الهاتفية بنفسه، طلبت منه أن يرحم نفسه بالتخفيف من هذا العمل المتواصل فابتسم وأشار إلى مكان منامه داخل المكتب!
لم يكن من أصحاب الشهادات العليا، لكنه يدير شؤونهم الدينية العامة بجدارة. بلغ من العمر مرحلة الشيخوخة، لكنه كان يملك عنفوان الشباب وحماسه.
عرفته هكذا منذ أيام الستينيات في مسجد الصحاف ينظم فيه المكتبة، ويعد للندوة الدينية الأسبوعية (الدين بين السائل والمجيب)، قال لي في ذلك الوقت: أنا كالأم التي تحرص على إعداد وجبات أسرتها بكل حب، بلا كلل ولا ملل.
كان مقررا للجنة 13 التي كانت تبحث اقتراح «الأمانة العامة للأوقاف الجعفرية» لتقديمه إلى مجلس الوزراء قبل أن يتحول في التنفيذ إلى إدارة فرعية متواضعة!
اليوم تفتقد الحسينيات ابنها البار، مقررها الدائم للجنة الحسينيات والمجالس الحسينية، الذي كان ينسق بينها وبين وزارة الداخلية فيما يتعلق بدخول الخطباء إلى البلاد وإدارة الاجتماع السنوي لأصحابها في التجهيز لموسم شهر محرم.
في فبراير الماضي وفي بداية جائحة كورونا شمر عن ساعديه لمساعدة الخطباء والعوائل الذين انقطعت عنهم أبواب الرزق، بمساهمة الوقف الجعفري وأهل البر والإحسان، وكان بيده الكريمة يقدم المساعدات المالية والعينية.
كان ينسق ويتابع شؤون المؤسسات والمشاريع الدينية والتعليمية والصحية في العالم تحت مظلة أوقاف المرجعية الدينية لآل الاحقاقي الكرام.
جمعتني معه لقاءات ولجان عمل كثيرة، لكن لا أنسى وجوده الفعال في الاجتماع مع قياديي وزارة الشؤون الاجتماعية لبحث كل ما يتعلق بالحسينيات.
كان شغوفا بالبر بأرحامه، فقد شارك في تأسيس «صندوق العائلة: القطان - الهزيم - العوض» وألف كتابا به لكي تحتذي العوائل بأمثاله. كان يعشق الرعيل الأول الذين رحلوا، فألف كتابا أسماه «المتوفين»، ذكرنا بصورهم العتيقة بالزمن الجميل.
ويبدو أنه شعر بدنو أجله، فسارع في تسجيل وتوثيق ذكرياته الشخصية والعامة، فصدر عنه كتاب «ذكرياتي وتجاربي خلال نصف قرن».
رحم الله عباس القطان، كان شعلة نشاط لا تنطفئ، و«دينامو» لا يتوقف، لكن أبى القدر إلا أن يتوقف الآن وللأبد، لينعم بالراحة الأبدية في مستقر رحمة الله مع من كان يحبهم ويتولاهم النبي المصطفى وآله الأطهار، صلوات الله عليهم أجمعين.
ولا نملك إلا أن نردد: (إنا لله وإنا إليه راجعون). عزاؤنا لكل المحبين لعباس القطان، وما أكثرهم، ثم عزاؤنا لعائلته الكريمة ولآل القطان الكرام. وعظم الله أجوركم جميعا.
[email protected]