طالما حذر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أمته من الفتن من بعده. وبين لهم سبيل النجاة (أني تارك فيكم الثقلين..) بل بالغ في تشخيص العلامات ومنها قوله للصحابي عمار بن ياسر: «تقتلك الفئة الباغية». وقوله: (باكيا وفي حضنه سبطه الحسين عليه السلام) للصحابية ام المؤمنين: «يا أم سلمة، اذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل»!
وبالفعل توالت الفتن من بعده، واشتعلت الحروب بين المسلمين مثل ما يعرف بالردة والجمل وصفين..الخ. وهدأت قليلا مع صلح الامام الحسن عليه السلام، قبل ان ينقض! وتحكم دولة بني أمية، ويطول قيادتها الفساد بأنواعه، ثم تطلب الإقرار الشرعي لها من الامام الشرعي الحسين عليه السلام، الذي رفض بشدة وأعلن ثورته «أيها الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله، ألا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحق من غير». «...ومثلي لا يبايع مثله!».
ويتم تهديده بالقتل ولو تعلق بأستار الكعبة ! فيخرج من مكة ومعه ثلة من أهل بيته وأنصاره، متجهين الى الكوفة، حيث زعم أهلها انهم مؤيدوه وناصروه في ثورته. وحالما علمت السلطة الأموية، أرسلت الى الكوفة من مارس فيهم التهديد والتعذيب والقتل والسحل في الشوارع، فأشاع الرعب فيهم، مما جعل أهل الكوفة يتراجعون عن نصرة الحسين عليه السلام.
ثم ارسلت جيشا كبيرا لمواجهة الامام الحسين عليه السلام. حيث التقيا في مكان يقال له «كربلاء». وتمت مفاوضته مرة اخرى اما ان يقر ويعلن تأييده لهذا النظام السياسي، فيكافأ بما يرغب من مكاسب ومزايا دنيوية، وإلا فليواجه العطش والقتل ! وحاول الحسين عليه السلام ان يثنيهم، مذكرا إياهم بوصايا الرسول صلى الله عليه وآله فيه، ويبين لهم منزلته وانه سبط نبيهم، ابن فاطمة الزهراء..الخ. لا يحل لهم قتله. ولكن القوم أصروا على مطلبهم. وهنا اعلن فيهم «.. لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد». «هيهات منا الذلة». «..أني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما».
وتمهيدا لمعركة القتال، أقدم الجيش الأموي على منع ماء الفرات عن معسكر الحسين وأهل بيته، قبل القتال الذي طال الأطفال والنساء! ثم تجرأوا على ذبح الامام الحسين عليه السلام عطشانا غريبا، ومثلوا بجثته الشريفة ! ثم سبي نساءه، ومنهن السيدة زينب عليها السلام، التي عملت على تجذير الثورة الحسينية، واستثمارها اعلاميا.
لذلك لا يزال الامام الحسين يشع حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا. ولا يزال مخلدا، وهذه كلماته المخضبة بدمه الزكي تدوي في كل زمان ومكان «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي»، فتبقى أنشودة في فم الاحرار، ومنهاجا لكل الثائرين في وجه الفساد والظلم.
٭ مصادر: تاريخ الطبري 227/6 - ابن الأثير 9/4 - ابن كثير 172/8 وغيرها(انظر معالم المدرستين للعسكري ج 3)
[email protected]