من المتفق عليه أن الكويت بلد التعددية الدينية، هكذا تآلف وانسجم وتسامح عليه الشعب الكويتي منذ نشأتها، ووثقها دستورها، ولم يشهد تاريخهم أي تصادم طائفي ولله الحمد، وما يبرز بين الفينة والأخرى من مماحكات فئوية من المنضوين فكريا وسياسيا مرفوضة رسميا وشعبيا، ولا يعدو عن مؤثرات خارجية طارئة مستنكرة.
لذلك، تواجدت في البيئة الكويتية منذ الأزل الحسينية والمسجد الجعفري والمقبرة الجعفرية والأوقاف الجعفرية والقاضي الجعفري، بجانب المؤسسات والشؤون الدينية الأخرى.
وتوجد حاليا في المحاكم دائرة أحوال شخصية جعفرية وفقا لتنظيم إداري، ولم تنشأ بقانون، بمعنى يمكن للإدارة ان تتخلى عنها لأنها غير محصنة بقانون.
كما أن القاضي فيها ووفقا لقناعاته واجتهاده في فهم مسائل الكتب الفقهية الجعفرية المتاحة له، انطلاقا من قانون الأحوال الشخصية رقم 51 لسنة 1984 المادة 346 «يطبق هذا القانون على من كان يطبق عليهم مذهب الإمام مالك، وفيما عدا ذلك فتطبق عليهم أحكامهم الخاصة بهم»، فليس أمام القاضي قانون واجب التطبيق في الأحوال الجعفرية، بالإضافة إلى تداخل الاختصاصات.
هذه الإشكالات وغيرها أوجدت مشاكل شرعية بالغة التعقيد! وعلى سبيل المثال لا الحصر: المرأة التي تطلب الطلاق وتحصل على حجة قانونية بالطلاق بينما هي بموجب أحكام الفقه الجعفري مازالت زوجة على ذمة زوجها! ولك أن تتخيل عندما تزوج هذه المرأة نفسها عمدا أو غفلة من زوج آخر وما ينتج ذلك من آثار في غاية الإشكالات الشرعية، وقس على ذلك الطرق الملتوية في قضايا الحضانة والوصايا والأوقاف.. الخ، وكلها مسائل شرعية تعبدية لا يجوز شرعا مخالفتها.
لذلك، جاءت الأهمية في تطبيق أحكام الأحوال الشخصية الجعفرية بصفة قانونية ملزمة (الزواج، الطلاق، المواليد، النسب، الوصية، الوقف والمواريث) وهذه تنتظم تحت أحكام الشريعة الإسلامية، والتي تتوزع على فقهاء المذاهب الإسلامية، ومن غير المقبول إلزام اي إنسان بأحكام مذهب غيره، فهذا مسألة تعبدية تجري بين العبد وبين الله تبارك وتعالى.
وليس من المستغرب أن تتعدد قوانين الأحوال الشخصية، وتتعدد معها محاكم الأحوال الشخصية في النظام القضائي الواحد.
لذلك، ضج المواطنون من هذا الوضع المشكل وتداعياته المؤلمة، وغير المنسجم مع المذهب الجعفري. وتداعى جمع من العلماء والمحامون والنواب وغيرهم من المواطنين من ذوي الاختصاص والاهتمام للمساهمة في اقتراح بقانون ليعالج هذه الثغرة الشرعية والقانونية والاجتماعية، ليتم تمحيصه ومراجعته مرات عديدة لدى الجهات العليا المعنية الرسمية، آخرها يوم الثلاثاء الماضي (2018/11/20) عندما وافقت عليه اللجنة التشريعية مشكورة بمجلس الأمة.
والمأمول أن يوافق عليه مجلس الأمة بالإجماع، فهو موضوع ديني غير قابل للتسييس والتكسب الانتخابي، فهو يخص المواطنين الشيعة بمذهبهم الديني في بلادهم، ولا يضر ولا يصادر حقوق المواطنين الآخرين.
[email protected]