أيام الخمسينيات كان للشرطة هيبتهم واحترامهم كقوة قانونية ضاربة، لا يجرؤ أحد على الاقتراب من «مخفر شرق» من غير حاجة ملحة، وكان يقع في آخر سكة المطبة المتفرع من شارع الميدان في العاصمة القديمة، وبالتحديد قرب مدرستي الصباح وخديجة، حيث يتوصد مدخله شرطي بهامته الطويلة وشماغ أحمر على رأسه يزينه شعار معدني «الشرطة والأمن العام»، وتمتشق يده اليمنى سلاحا بندقية تزيده رهبة واحتراما!
نظمت لنا مدرستنا رحلة تعريفية إلى مركز للشرطة في الشامية، وأثناء تجوالنا في أقسامها الأمنية فتح شرطي الباب علينا خطأ، فما كان من الضابط الذي معنا أن نهره بكلمة نابية أمامنا! في تلك اللحظة انهارت معنوياتنا نحن الفتيان، وسقطت هيبة الشرطي من أعيننا.
تلك الواقعة ذات الثواني المعدودة لم تنمح من ذاكرتي حتى الآن.
الشرطي له قيمة كبيرة، حيث يشيع تواجده الاطمئنان راجلا كان أو راكبا، فهو الحارس الشخصي لكل واحد منا والمنجد ولذلك سميت سيارته البوليسية «النجدة»! وحتى نعرف قيمته لنتذكر أيام الغزو البعثي العراقي على بلادنا عندما خلت الشوارع من الشرطي الكويتي، فشاع الخوف من عمليات السطو والاعتداء والتجاوزات المرورية.
الشرطي يخاطر بنفسه وبراحة عائلته، وبدلا من تكريمه وتبجيله بالاحترام والتقدير، يخرج علينا من وقت لآخر وبمشاهد مخزية من يتجرأ على هذا الشرطي بالسب أو الضرب المهين وهو في لباس الدولة الرسمي وبإعاقته عن مهمته الرســمية.
ومن أسف أن يكون هذا المعتدي غالبا من أصحاب النفوذ ومراكز القدوة والقيادة. لا نبرر أخطاء وتجاوز بعض الشرطة، ولكن بالخط العام الواسطات المتفرعة من الفساد الإداري، قد دمرت هيبة الشرطي في أعيننا.
ولا بد من معالجة ذلك بتجريم مثل هذه التدخلات المشينة، والاستمرار في تكريم الشرطي وإعطائه المنزلة الرفيعة، وزيادة مكافأته المالية والمعنوية، لتحويل سلك الشرطة إلى وظيفة جاذبة، فالشرطي هو عنوان الأمن والاطمئنان بتوفيق من الله عز وجل.
[email protected]