ظهر مؤخرا في الكويت وزراء من نوع فريد، هؤلاء الوزراء الذين لا يعملون كالوزراء إلا أمام عدسات المصورين أو أمام ميكروفونات الفضائيات فيتحفوننا بتصريح يخرج من أسطواناتهم الكلاسيكية المشروخة يفيد بأنهم على اطلاع بما يدور في أروقة وزاراتهم ويعرفون كل صغيرة وكبيرة لدرجة أن الواحد منهم لا يتردد في الإجابة عن سؤال حول عدد عطسات الموظفين في اليوم الواحد أثناء اوقات الدوام الرسمي. وفي الكواليس تجدهم «ما يدرون وين الله قاطهم»، فوزاراتهم «حارة كل من ايدو إلو»، والمسؤولون من تحتهم يعيثون في الوزارات فسادا.
فما أن يذعن مواطن مغلوب على أمره لمراجعة إحدى دوائر الفساد الحكومية إلا ويصعق بواقع الحال المرير الذي وصلت إليه تلك الجهة الحكومية، وإذا كان هذا المواطن المغلوب على أمره «بتاع ربنا» وحلت عليه بركات السماوات وقابل صاحب المقام الرفيع معالي الوزير الغريب وأطلعه على ما طلب منه من طلبات وأوراق ثبوتية وقليل من المعرفة بأعمال الشعوذة لإتمام معاملته التي من المفترض أصلا ألا تكون معاملة يجب انجازها في القرن الحادي والعشرين وفي ظل الحكومة الالكترونية، إلا ويبادره ذاك الوزير الجهبذ ذو العقلية الراجحة بأن مثل هذا لا يجوز ويسأل السؤال المشؤوم: كيف حدث هذا؟! وأنه سوف يطلب اجتماعا على مستوى قياديي الوزارة للنظر في الموضوع وتسهيل اجراءات انجاز المعاملات والاهتمام بالمواطن وتقديم الخدمات له على وجه السرعة والدقة وما الى ذلك من باقي الكلام «المأخوذ خيره اللي تعرفونه»، هذا النوع من الوزراء لا تخلو منه حكومة كويتية واحدة وليست الحكومة الحالية بأفضل من سابقاتها الست مفلسات الإنجازات.
لنتخيل نحن ما يتلو ذلك من أحداث بعد افتراض صدق الوزير بما تفلسف به على المواطن المسكين وان ضمير الوزير بدأ يصحو من سباته وقطع عهدا على نفسه بعدم الاخذ بإجابة «كلو تمام يا فندم» و«ماكو إلا العافية»، فيطلب اجتماعا عاجلا على مستوى وكيل الوزارة والوكلاء المساعدين والاستفسار عن صحة ما قاله المواطن المبتلى بمراجعة تلك الوزارة، بعد دقائق من تبادل النظرات وكأنهم يتعازمون على الرد المنمق وتنزل الإجابة على معالي الموقر ذي الهيبة المبجل كالصاعقة وتبين أن هناك طول اجراءات وطلبات تعجيزية كثيرة تقدر بحمولة وانيت لاتمام المعاملة المطلوبة مع تبريرات خزعبلية، فينتفض ويرتجف ويزيد قليلا ويعطي اوامره بضرورة اختصار تلك الاجراءات والتسهيل على المواطن، فيتم تشكيل لجنة لتشكيل لجنة للبحث في كيفية اختصار بعض الاجراءات التي تعطي توصياتها بتشكيل لجنة للنظر في كيفية اختصار البعض الآخر من الاجراءات، وفي تلك الاثناء يكون قد تم تشكيل حكومة جديدة حيث يسعى معاليه للدخول لموسوعة «غينيس» للأرقام القياسية بعدد الحكومات المشكلة في اليوم الواحد ويرحل الوزير للكوكب الذي أتى منه أصلا، فيتم تشكيل لجنة للنظر في الابقاء على اللجان المنبثقة من اللجان التي اوصى الوزير الفذ الراحل بتشكيلها ولا ننسى التي كان الغرض من انشائها اختصار اجراءات اتمام المعاملات، وتعطي اللجنة المشكلة بعهد الوزير الجهبذ الجديد توصياتها بإيقاف عمل اللجنة السابقة ويتم تشكيل لجنة تبحث الغرض من جديد، كل هذا يحدث في عصر الانترنت والحكومة الالكترونية، «الله يسامح اللي كان السبب».. وتقولون تنمية.. فكيف لأمنية التنمية ان تتحقق إذا كان هذا حال اغلب وزارات الدولة والادهى والأمر من هذا كله، حال شريان التنمية وهو الجهاز المعني بالعنصر البشري «ديوان الموظفين» ـ الله لا يوريكم كم قراقوش فيه، لكن ما نقول إلا «امحق تنمية جان هذا ديوان موظفينكم».
[email protected]