صدمة كبرى عندما نرى أو نسمع أو تصلنا مقاطع فيديو لبعض أبناء الكويت وهم يقضون أياما جميلة في أماكن ترفيهية أوروبية أو حدائق في دول الغرب بل حتى يتمتعون بالسهر خارج المنازل لنكتشف بعد ذلك أن «بعضا منهم» وصل إلى هناك بتذكرة ومصاريف دفعتها وزارة الصحة لهم أو لذويهم لغرض العلاج بالخارج، هذا المصطلح لطالما فتح الباب على مصراعيه لـ «الشطار» أصحاب النفوس الضعيفة الذين استهلكوا الكثير من مقدرات الأمة للتنزه وشم الهواء الأوروبي على حساب عدد كبير من المواطنين البسطاء الذين لم يجدوا دربا أخضر إلى نائب من النواب ليسهل لهم السفر وعلاج ما بهم من أمراض شديدة.
هذا المشهد المتكرر أمام مأساة الكثيرين من اصحاب الامراض المزمنة وخصوصا السرطان هو ما يبرر اليوم وبقوة اتخاذ قرار من مجلس الوزراء المتعلق لوضع خطة «ذكية» تضمن تقليص المخصصات وترشيدها للاستشفاء خارج البلاد، لكنني لا أعلم لماذا استنفر هذا القرار عددا من النواب وبعض المواطنين في الشارع الكويتي، فهو برأيي الشخصي ورأي الكثيرين من المحرومين وقليلي الحيلة والناظرين إلى الأمر على انه مصلحة وطنية صائب، وخصوصا في ظل سعي الحكومة لإبعاد شبح الأزمة الاقتصادية وتحقيق الامن للجميع، ما يستدعي أن نكون جميعا يدا واحدة في مواجهة مختلف الاحداث.
وفي الوقت ذاته لا يمكنني ايضا أن أتفق مع هذا القرار بالكامل فهو ليس حلا عمليا لمشكلات المرضى والمحتاجين للعلاج بالخارج، فعندما تقوم الحكومة بمثل هذه الخطوة كان المفترض بها أن تقدم البدائل الواقعية والجدية كإنشاء المدن الطبية المتقدمة وإعلان الحرب على الروتين الحكومي وإعادة النظر في آلية المناقصات التي باتت مسرحا كبيرا للتنفع واستنزاف الدولة، وكذلك إطلاق برنامج شامل لاستقدام الخبرات والكفاءات من مختلف الدول المشهورة بالتخصصات المطلوبة، بالإضافة إلى تدريب الأطباء على التخصصات النادرة.
كما ان القرار فيه ثغرة تتعلق بتقليص النفقات، فالأمر كان بحاجة إلى تحديد الجهات التي علينا تطبيق القرار عليها، أما مرضى السرطان فهؤلاء يجب استثناؤهم، بالإضافة إلى أصحاب الأمراض المستعصية الذين تتوقف حياتهم على مثل هذه العلاجات إلى جانب المصابين بالعقم من الرجال او النساء فهؤلاء أبناء الكويت ومن واجب الوطن الوقوف إلى جانبهم وعدم التخلي عنهم لحين تحقيق أحلامهم.
قد لا يتفق البعض مع رؤيتي لضرورة دعم أصحاب العقم بصورة كاملة، ولكن المسألة تتعلق بنظرة المجتمع إلى التعامل مع هذه الحالات القليلة ويؤكد احترام الدولة لهم وتقدير حاجتهم إلى الذرية والنسل، إلى جانب أنه لا نهضة في المجتمع من دون الاعتماد على الموارد البشرية الفاعلة التي تضع المصلحة العامة فوق جميع المصالح وهذا لا يتحقق إلا إذا شعر المواطن أن الوطن يقدم له اساسيات وجوده.
أتساءل كما الكثير من أبناء الكويت: لماذا لا تقوم الحكومة بإنشاء مراكز متطورة للعلاج الطبيعي يشارك فيه القطاع الخاص بنسبة 50% وجعل العلاج داخليا على نفقة الدولة، هذا التوجه سيقلص النفقات تدريجيا ويوفر على الحكومة ملايين الدنانير.
وبما أننا نتحدث عن مسألة في غاية الاهمية تتعلق بالموارد البشرية وحسن الإدارة للملفات، فإن وزارة الصحة كغيرها من الجهات الخدمية عليها مسؤولية كبرى في التعامل مع هذه الأمور بكياسة وحكمة وخصوصا في ظل الظروف الراهنة، ولديها من الخبرات ما يجعلها قادرة على ممارسة دورها بالشكل الأمثل فالدكتور خالد السهلاوي على سبيل المثال وحسب شهادات من المواطنين نموذج يحتذى، فهو صاحب مواقف راقية وخبرة واسعة وعلم جم وخلق طيب.
لقد أكدت أكثر من مرة وعبر مقالات سابقة أنه لا مكان لنا بين الأمم إلا من خلال تعلم فن الإدارة والاستفادة من الخبرات المتراكمة لشخصيات مثل د.السهلاوي، فلا يكفي أن تكون عالما من دون ان تعرف كيفية نقل السعادة للآخرين، من خلال الابتسامة البريئة والمعاملة الراقية.
[email protected]
abdulmuhsenhaji@