الأم كلمة صغيرة وحروفها قليلة، لكنها تحتوي على أسمى معاني الحب والعطاء والحنان والتضحية، وهي أنهار لا تنضب ولا تجف ولا تتعب، متدفقة دائما بالكثير من العطف الذي لا ينتهي، وهي الصدر الحنون الذي تلقي عليه رأسك وتشكو إليه همومك ومتاعبك.
الأم هي فيض العطاء ونبع السخاء والكرم بولدها، والمتأمل يلاحظ أن من رحمة الله بالأم ان ذكرت في كثير من المواضع في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
(واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا). سورة الإسراء (24): بمعنى وكن لهما ذليلا رحمة منك بهما، تطيعهما فيما أمراك به فيما لم يكن فيه معصية لله، ولا تخالفهما فيما أحبا.
وفي حديث شريف من صحيح البخاري
«حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك».
لا تعجب اخي في الله فيما اقوله عن الأم لأني ربما لا اوفيها حقها فيما قلت وفيما أقول، فلا يعلم الواحد منا مدى قدرها إلا من فقدها.
فمن فقد امه فقدْ فقد ضوء وجهه، وقد فقد بعض الرزق الذي كان يأتيه من رب العالمين، فإذا ماتت الأم نزل ملك من السماء يقول: يا ابن آدم ماتت التي كنا نكرمك لأجلها، فاعمل لنفسك نكرمك.
الأم هي التي سهرت على سهرك وهي التي زعلت على زعلك كما قال الشاعر الحكيم:
تنام مسكينة حاملة همك
فلا تشكي لها من همك شيء
والمتأمل في الأم بعد عطفها عليك مهما كان عمرك وبعد حنانها عليك يجدها أنها لا تحتاج منك بقدر ما تعطيك، فهي التي تعطي دون مقابل فتقوم بتهيئة الحياة لك كي تعيش انت سعيدا وهي التي يقترن اسمها باسمك فيقال لها يا أم فلان، فهي بذلك لم يزدها إلا تشويقا وتشريفا، فهي التي تراك بغير ما يراك الناس، فتراك افضل إنسان في هذه الدنيا. فلم نر أما قد حقدت على ابنها، ولم نجد أما قد كرهت وليدها، ولم نجد اما احتالت على حقوق ابنائها ولا جارت عليهم.
فالأم، يا رعاكم الله، هي الصاحب، وهي الحبيب، وهي الصديق، وهي.. إلخ. فلن تجد غيرها من البشر اجتمعت فيه تلكما الصفات، فللأمومة عنوان لا يتغير بتغير الظروف والأوضاع.
فربما لا نجد اما قتلت ابنها مهما اشتدت بها الظروف الخارجية او الظروف المحيطة بها.
فماذا قدمت لأمك مقابل كل ما اعطته لك؟
الثابت لدينا من الأعراف انه ان اكرمت الكريم ملكته وإن اكرمت اللئيم تمردا. وأنه ايضا وفقا للحكمة التي تقول «اعمل المعروف في أهله يكونوا أهلا له واعمل المعروف في غير أهله تكن انت اهلا له». فهذه الأعراف وتلكما الحكم هي في حقيقتها لا تنطبق على الأم فهي كما قلنا تعطي دون مقابل.
وفي الختام أوجه نصيحتي الإلزامية لي وللقارئ لمقالي هذا بأن يتقي الله في أمه وان يكرمها وان يعاملها بالرفق والحب والمودة وان يجعل كل أيامها أعيادا، فلا يكتفي بما اسموه عيد الأم الذي حدد من قبل البعض يوما في العام، وان تلزم موضع قدميها.
أما عمن فقد امه فأعزي نفسي أولا: (البقاء لله) وأعزي بالإنابة وبالأصالة عن نفسي كل من فقد امه (البقاء لله) فاللهم اجرنا في مصيبتنا واللهم أدخل امهاتنا في جنات النعيم بكرمك وجودك وعفوك ورضاك يا رب العالمين. واجمعنا معهم يا رب العالمين.
ولا ننسى أن نبر أمهاتنا وحتي بعد مماتهم بأن نتصدق عليهم وان نحج لهم ونعتمر لهم وان نفعل لهم الصدقات الجارية.. إلخ، حيث انه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.
فلتكن انت الذي تصدقت بالصدقة الجارية لأمك، ولتكن انت الولد الصالح الذي يدعو لها، فالدعاء يوازي الصدقة او يزيد عند رب العالمين في مدى القبول. فالدعاء يرد القدر، والله تبارك وتعالى قال (ادعوني استجب لكم).
وفي الختام تقبلوا تحياتي
* مصطفى أمين منصور العسيري المحامي.
[email protected] - @almeshariq8