عبدالوهاب الفهيد
بشار العلي شاب في اول العقد الثالث من عمره.. متدين، بار بوالديه وبأهله وأقاربه، خرج من بيته برفقة أخيه وابنه الصغير الى مقبرة الصليبخات ليشهد دفن احدى قريباته، وقبل ان يصل الى المقبرة وبالتحديد في الدائري الخامس فوجئ بسيارة مسرعة تقفز عليهم من الشارع الثاني -عكس السير- فيقع المقدور عليهم، وتفيض روح بشار الى بارئها تشكو ظلم المستهترين ويودع أخاه في أحد المستشفيات متأثرا بجراح خطيرة -وهو مازال في حال يرثى لها- وينجو الطفل الصغير الا من كدمات بسيطة.
هذا باختصار شديد ما حدث يوم الاربعاء 12 من الشهر الجاري وبعدها بدأت معاناة أهله وأقاربه وأحبائه بسبب انسان مستهتر بأرواح العباد، وبسبب غياب القانون الرادع، والجدية في محاسبة المستهترين.
ومما يزعج ان حوادث المرور في الكويت مرتفعة جدا، ففي دراسة اعدتها (كونا) اتضح ان معدل حالات الوفيات التي سجلت خلال السنوات الثلاث الماضية اكثر من (450) حالة في السنة أغلبها من فئة الشباب فضلا عن الاعاقات التي تقدر بالآلاف سنويا، وذكرت ايضا انه في عام 2006 بلغ عدد الوفيات نحو (460) ما يمثل زيادة مطردة، وتؤكد دراسة أعلنتها جمعية السلامة المرورية في الكويت ان الارقام الصادرة عن الاتحاد العلمي للطرق تشير الى ان التكلفة الناجمة عن وفيات الطرق في الكويت بلغت ما نسبته 1.8% من الناتج المحلي والاجمالي الكويتي.
وذكرت الدراسة ايضا ان نسبة عدد الحوادث والوفيات في الكويت أربعة اضعاف نسبة الحوادث والوفيات المرورية في الدول الصناعية.
وهذه الارقام والاحصائيات تنذر بخطر ماثل نشهده في كل يوم، وفي كل ساعة في شوارعنا، فهناك حرب تدور في شوارع وطرقات الكويت يقودها حفنة من الشباب المستهتر بأرواح الناس.
وبدأ الناس يتضايقون ويضجون من هذه الحوادث، ويقلقون على مستقبلهم، ومستقبل أولادهم، فكم من امرأة أو رجل او شاب او كبير بالسن راح ضحية بسبب السيارات، وكم من معاق بسبب الحوادث، والمسلسل مستمر، والعابثون ايضا مستمرون ماداموا بعيدين عن طائلة العقاب الرادع.
ومن المبكي المضحك انني كنت في عزاء بشار والبعض يهمس «إيش راح يسوون لذلك المستهتر الذي تسبب بالحادث؟».
ويجيب بعضهم: «سجن سنة ومع السلامة.. قتل خطأ أو شبه خطأ» والضحية مات خطأ وخلاص.
ومن خلال هذه الزاوية نرفع الشكوى الى الله تعالى من ظلم المستهترين بأرواح الناس، ونهيب بالمسؤولين ان تكون لهم وقفة جادة، فالأمر خطير جدا، فأرواح العباد ليست للعبث، فبشار وأمثاله من الناس الذين راحوا ضحايا الرعونة والاستهتار قد خلفوا وراءهم أهلا وأولادا وأحباء يبكونهم.
وعزاؤنا الوحيد لهؤلاء الضحايا اننا نحسبهم شهداء عند الله تعالى، وبعض العلماء يرى ان قتيل حوادث السيارات من ضمن الشهداء عند الله -إن شاء الله- لقرائن كثيرة منها: حديث جابر بن عتيق ( رضي الله عنه ): «أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جاء يعود عبدالله بن ثابت فوجده قد غلب عليه -أي مات- فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال: غلبنا عليكم يا أبا الربيع، فصاح النسوة وبكين فجعل جابر يسكتهن فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية، قالوا يا رسول الله وما الوجوب؟ قال: اذا مات. فقالت ابنته: والله ان كنت لأرجو ان تكون شهيدا فإنك كنت قد قضيت جهازك فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): ان الله قد أوقع أجره على قدر نيته، وما تعدون الشهادة؟ قالوا: القتل في سبيل الله. فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله، المطعون شهيد والغرق شهيد وصاحب ذات الجنب شهيد والمبطون شهيد والحرق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد والمرأة تموت بجمع شهيد». رواه ابو داود ومالك وصححه الألباني.