الصوت كان وما زال وسيلة اتصال بين البشر، نستطيع عبره نقل مشاعرنا وأحاسيسنا المختلفة فرحا أو حزنا، حبا وكراهية، كل ألوان وأشكال المشاعر التي نحملها في نفوسنا ننقلها بنغمات الصوت، ولكل شخص صوت يميزه، وعلامة تجعل منه مختلفا، فالصوت الجميل جميل حتى الآخر، والصوت العذب نعمة من الله تعالى، يمن بها على من يشاء من عباده.
عندما كنت أصغى إلى «أمير الطرب» عبد المجيد عبدالله في ليلته ضمن «موسم الرياض» في عاصمة الفن والثقافة، اخذتنا إلى ما وراء الكون، فتوحدنا مع صوته وتحررنا من كل الإحباطات التي نعيشها، نغمات ساحرة هبطت إلينا من السماء تحاوره ويحاورنا، صوت هادئ روحاني يعانق الموسيقى في حالة تأمل تحتوينا بمستوى مختلف الدرجات لتشكل حالة خاصة ومتفردة لدى المتلقي في تلك الليلة وبعد غياب خمس سنوات.
عذوبة الصوت وشحنة الإحساس أو قرب المسافة بين ما يصدر عنه من غناء وما يصل إلى مسامع الناس مسافة قد تبدو بطول الدهر عند الاستماع إلى صوت ثقيل الظل، وقد تبدو في مثل سرعة الضوء عندما ينقلها لأذن المستمع صوت قريب من النفس، خفيف الظل يعيش المعني الذي يغنيه، إضافة إلى الود والألفة والطيبة التي تبدو صريحة على نبرات صوته وإحساسه في الأداء، كل هذا الشعور الذي يصل إلى المتلقي معبرا عن معدن طيب ومشاعر ودودة، شحنة عالية من الاحاسيس ووفرة النغم، الاستمتاع يجعلنا نشعر بلذة التجاوب، في وقت أصبحنا نشكو فيه من التلوث الصوتي الذي يضيف هما جديدا لمثالب تلوث البيئة.
حين احتضن عبد المجيد عبد الله «العود» وغنى فغاص في سحر المكان والزمان، عزف متفردا فحكى كل الحكايات لا يضره اجتماع الآلات الموسيقية من حوله، حين اتحد «العود» مع صوت عبد المجيد وتكلم كانت المعزوفة كلها تحن إليه بهدوء، وحين يصمت يروي «العود» حكايته.
في حياة كل منا ذكريات احيانا نبتسم لها حين تراودنا، واخرى نبكيها ونفتقدها، فالموسيقى من الأدوات الرئيسية للوصول إلى شريط الذكريات في عقولنا بصورة واضحة وفريدة، تدركها المشاعر والحواس بسرعة فائقة، لا شيء سوى الموسيقى قادر على إحياء كل الذكريات داخلنا.
اختيارات عبد المجيد تلك الليلة من قديمه «نوستالجيا» الحنين للماضي تثير الشجون والذكريات أثارت في النفوس مشاعر السعادة والألم، والشجون والحزن، وأحيانا الندم، هي حنين لأشخاص فقدناهم، إلى الأماكن الخالية، إلى أيام الطفولة البريئة، إلى أصدقاء الزمن الجميل، إلى العلاقات الاجتماعية القوية وبساطة الحياة وإلى التفاصيل الصغيرة، وربما حنين إلى أنفسنا.
ليلة عبد المجيد عبدالله «ليلة العود» هي ليلة متميزة لا تشبه سواها بمحتواها وأجوائها، حالة طربية استثنائية وفريدة من نوعها.. يمنحك حضورها شعورا يختلف عن حضورك لأي حفل آخر.
حمدا لله على السلامة يا بو عبدالله يا أول حكايتنا.
عز الكلام:
الموسيقى حالة روحانية بعيدة عن صخب الحياة وضجيجها، تنقلنا من عالم فوضوي لعالمنا الخاص، نعيش معها نقاء الروح واستحضار كل الأشياء الكامنة داخلنا والطاقة التي تنير دربنا وعقلنا.
الحمد لله دوما على نعمة الموسيقى، فلولاها لكانت الحياة غاية في الرتابة والملل والكآبة.
[email protected]
Nesaimallewan