هاجمتني الكلمات وانصبت علي بلا رحمة وهوادة عندما كنت جالسا في غرفة الانتظار المزدحمة بالمرضى، غطت ملامحهم تلك الأقنعة الطبية، لا يتناسب اسم المرضى عليهم فهم من فئة مختلفة من المراجعين.
ترى دروسا في التفاؤل والإقبال على الحياة، تأتي مراجعة بخطى مليئة بالثقة والإصرار لموظف الاستقبال لحجز موعد الجلسة القادمة، وإذا لم أكن على علم باسم معظم الأطباء في تلك العيادة لحسبت أن تلك المراجعة تريد تغيير موعد في عيادة تجميلية أو موعد روتيني، لكن في الواقع جاءت تغير موعد جلستها القادمة في العلاج الكيميائي.
هم أبطال من نوع آخر ونادر، مختلف عن باقي البشر، عندما تنظر لنفسك في المرآة لن تستطيع لأنك ستشعر بأنك تافه أمام هؤلاء. مجتمعهم متعاون ومتحد يستقبلون الأبطال الجدد، كاستقبال ضيف جديد أو مولود لم يكمل ساعاته الأولى، وأحيانا يودعون بعضهم لغاية باب الحياة الحقيقي «باب المستشفى» الذي عادوا له بقوة وحب.
أكتب هذا المقال ودموعي تعيق وتخفي لوحة مفاتيح هاتفي، لأن اليوم بالذات حصل شيء أقوى وأبلغ مما شاهدته سابقا في ساعات انتظاري في مسرح الأقوياء والأبطال، لم أستطع سماع كل الحوار، لكنني استطعت قراءة وفك بعض الرموز، خرجت مريضة ثلاثينية والدموع تهطل بكل غزارة وكان زوجها بجانبها يهون ويخفف من معاناتها قدر ما يستطيع.
في تلك الأثناء جاءت امرأة أخرى في متوسط العمر وجلست بين يديها تخفف عنها بكل الكلمات التي تظن أنها ستساعدها، كانت المريضة خارجة من إحدى جلسات العلاج الكيماوي وعلى ما أظن كانت الأولى لها، لأن تأثرها كان واضحا، فجأة وبدون مقدمات نزعت المرأة الأخرى غطاء رأسها ومن الطبيعي أنك لا ترى شعرا كثيفا كونه أحد العوارض الجانبية للعلاج الكيميائي، نزعت غطاء رأسها لتقول لها لا تخافي فنحن لا نزال جميلات لا تخافي تلك الشعيرات لن تخفي جمالك وقوتك.
موقف جريء ومؤثر، وللتوضيح لم تكن المرأة الأخرى عربية أو مسلمة، فنزعها للغطاء لم يستنكر، لكن نعلم جميعا أن المرأة دائما ما تحاول إخفاء أي مظهر أو علامة تقلل من مقياس جمالها. لكن بهذا التصرف أصبحت أجمل وأروع، أطلب من الله أن يشفيهم جميعا ويعوضهم بكل ما هو أجمل وأفضل.
أراكم على خير في ذلك المسرح، مسرح البطولات والتعاون، لا تظنوا أننا لا نشعر أو نرى مقاومتكم للألم والمرض، لا تظنوا أننا لا نرى جمالكم، نحن نرى كل شيء وسنرى الأفضل في المستقبل القريب بإذن الله.