«إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا، وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفا، فإن إسكات هذا الشخص الوحيد، لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توافرت له القوة» هذا ما قاله الفيلسوف جون ستيوارت ميل.
الذي كان يعيش بالخليج قبل عام 1940 ولم يخرج منه، غالبا لم ير أجنبيا في حياته، وإن رأى سيكون هذا الأجنبي هنديا أو إيرانيا أو تركيا غالبا، وحتى إن رآهم، فرصة تبادل الأفكار كانت نادرة، بسبب حاجز اللغة، ثم حدثت نقلة نوعية بطرق النقل، فأصبح هناك تواصل مباشر مع أجانب يبعدون آلاف الكيلومترات، وبعدها انتشر التلفزيون وانتقلت الثقافات، وأصبح في أغلب المنازل الخليجية عمالة أجنبية، وبعدها انتشر الإنترنت، وأصبح الاحتكاك شبه يومي ومباشرا.
كل هذا التواصل الثقافي بين المجتمعات حصل بزمن قياسي، ودخلت مفاهيم من ثقافات أخرى بشكل سريع، لم تستطع المجتمعات أن تستوعبه، فأصبح داخل الأسرة الواحدة أشخاص يعيشون بمفاهيم ثقافية مختلفة، ومن الطبيعي أن تولد اختلاف المفاهيم تباينا بوجهات النظر، كل هذا يسبب تصادمات.
المجتمعات المتطورة وجدت أن الطريقة السليمة لتخفيف التصادمات، هي أن يسمح لكل أصحاب المفاهيم المختلفة بالتعبير عن آرائهم، وهذا يسمح للمجتمع بفحص الآراء وتقبل المنطقي منها، ودراسة غير المنطقي، وشرح سبب عدم القبول لمعتنقيه، فقاموا بتصدير قوانين تعزز حرية التعبير، فالكل له الحق بالتعبير عن أفكاره، والكل مستعد لسماع المختلف، هكذا خفت التصادمات، واحتوت المجتمعات العولمة الحاصلة، أما المجتمعات المغلقة والتي أجبرت بحكم الواقع على العولمة، لم تكن لديها آلية لتقبلها، وحدثت التصادمات، وستستمر بالحدوث لغاية أن يستوعبوا أهمية حرية التعبير.
لا شك أن وضع حرية التعبير في العالم العربي مزر، فالكثير من القوانين تقمع هذه الحرية، والمشكلة الحقيقية ليست بالسلطات السياسية وقوانينها، المشكلة هي تعود المجتمعات على قمع هذه الحرية، والنظرة الدونية لكل مختلف، فعلى الرغم من مطالبة بعض المجتمعات العربية بها، إلا أن واقع التجربة أنها تصدم بكل من يعارض الأفكار التقليدية الموجودة فيها.
أهمية حرية التعبير لا تكون بتخفيف التصادمات بين الأفكار المختلفة بين فئات المجتمع فقط، بل هي الطريقة الرئيسية لمحاربة الفساد، خصوصا إذا انعكست هذه الحرية على الصحافة بكل أنواعها، فإن كان ينظر لها بالعصور السابقة على أنها ترف اجتماعي، أصبحت حاليا ضرورة لا مفر منها للتعامل مع عصر العولمة.
tab6_khayran@