أختم اليوم قراءتي أو تحليلي لما جرى من أحداث حول رفع الحصانة وما أعقبها من ندوات «إلا الدستور» وما تخللها من آلام. واليوم نقول «رب ضارة نافعة»، هذا ما أقوله فيما جرى من أحداث مؤلمة تحت شعار «إلا الدستور»، فقد قالوا من قبل عن استجواب سمو رئيس الوزراء وقدموا 6 أو 7 استجوابات ضده سقطت جميعا كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف، وسيسقط الاستجواب الأخير الذي قدموه مؤخرا كسابقيه، نقول هذا ليس من باب التجني يشهد الله، وإنما من باب الحق والمنطق السوي.
ولا يعقل أن يصرح أحد ويصرخ جهارا نهارا ويسمع القاصي قبل الداني أنه يريد حل المجلس ويريد خلع رئيس الوزراء، ليس من باب «قضية عادلة واضحة المعالم» وإنما بسبب ما تملكه الحكومة من أغلبية بالمجلس، أغلبية لم تستخدمها الحكومة لتمرير تعديل الدستور أو لإصدار قوانين تعادي الحريات أو لإصدار قوانين تجافي المصلحة العامة، بل إن الحكومة استخدمت هذه الأغلبية في تمرير الخطة الإنمائية واستخدمتها في تمرير صندوق المعسرين وقوانين كثيرة تصب في مصلحة هذا الوطن وهذا الشعب، من خلال حرية التأييد من الجميع، وهي ليست بحاجة لترغب أو ترهب وطنيا لتأييدها فيما ذهبت إليه، بل إنها قادت المجلس للإنجاز الحقيقي، خصوصا فيما يتعلق بالخطة الإنمائية «وهذا ما شرحناه بشيء من التفصيل في مقالات سابقة»، ومع ذلك فلا يعيب أي حكومة جاءت كنتاج للديموقراطية أن تعمل على استمالة أغلبية لها بالمجلس التشريعي، بل هذا واجبها، وعلى الأقلية أن تنصاع لرأي الأغلبية وهذا مقتضى «أ. ب» ديموقراطية أو تستخدم أدواتها الدستورية إن كان هناك ثمة خروج على الدستور كالذهاب إلى المحكمة الدستورية. ولكن الخروج للشارع وتجاوز القانون وتحدي رجاله يخالف الأعراف والتقاليد وقوانين الديموقراطية؟ وبعد تلك الأحداث جاء خطاب صاحب السمو الأمير المفدى خلال لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المحلية، وهو رأس الدولة عن موضوع «إلا الدستور» وإيضاح سموه للحقائق ليس لأحد قبل الشعب الكويتي بكل فئاته وشرائحه. ذلك الخطاب الذي فند فيه صاحب السمو كل الحجج الواهية التي احتج بها أصحاب قصة «إلا الدستور»، وقال سموه، حفظه الله ورعاه، أنا حامي الدستور والمحافظ عليه، ولا يوجد حل لمجلس الأمة، وستصان حرية الرأي ليقول من أراد ما يريد ولكن داخل البيوت والدواوين لا خارجها، ولا يوجد تعديل للدستور ولكن سيصان الدستور وستصان أيضا سيادة القانون، وواقع الأمر أن صيانة سيادة القانون هي لب وغاية الدستور بل والديموقراطية أينما وجدت، فوجد الجميع أنفسهم أمام ضرورة قصوى بل حتمية للعودة إلى جادة الحق والمنطق السوي ولله الحمد من قبل ومن بعد. وهدأت الأمور ولكن بعد أن اتضحت وانجلت الصورة أمام الكافة وأسهمت هذه الأحداث رغم ما شابها من مرارة أسهمت في تنوير الشارع الكويتي وإيضاح الحقائق له والتي كان منها كذلك ما لعبه الإعلام الكويتي بنشاط وهمة عالية مرسيا قاعدة جديدة بل وغريبة «أي لم نعتد عليها» مفادها أن أحدا لا يستطيع الكذب وتأليف القصص فعدسة الكاميرا لا تكذب والحق سيحصحص فورا وبشكل سريع ومنذ الجولة الأولى.
وهذا ما سينضج بل سيبني رأيا عاما مستنيرا هو حجر الزاوية التي بني عليها المشرع الدستوري وما مررنا به من إخفاقات في تجربتنا الديموقراطية جاء كنتيجة حتمية لضعف أو بالأحرى لعدم وجود رأي عام مستنير لا ينجر وراء أحد وإنما يستطيع أن يراقب ويبني قناعته وبعد ذلك يقرر هو مع من وضد من وما جعل الديموقراطيات المتقدمة تستفيد وتتقدم وتزدهر أوطانها وشعوبها من الديموقراطية هو وجود الرأي العام المستنير الذي ما نضج ولا وجد إلا بعد بحيرات من الدماء والحروب والتضحيات ولكن نحن سنستفيد منها حال توافر هذا الرأي العام المستنير وما حدث من أحداث كان بالفعل «رب ضارة نافعة» فقد تجلت للمواطن فيه الحقائق وشاهد صورها بأم عينه أولا عبر صراحة وصدق وحزم صاحب السمو الأمير المفدى، حفظه الله ورعاه، وعبر الإعلام القريب من الحدث.. وعليه فإنني أجزم وبسعادة غامرة بأننا بالفعل على أعتاب مرحلة جديدة من ممارسة الديموقراطية سيلعب فيها الرأي العام المستنير دورا، أضرع لمولاي جل وعلا أن يكون دورا فعالا وبارزا بالمحاسبة ليجني وطني العزيز وشعبي الكريم ثمار الديموقراطية من تقدم ونماء وازدهار وعزة ومنعة.
[email protected]