كنت أنتظر من تجمع أو كتلة «إلا الدستور» أن يكون كتجمع أهل الكويت عندما تنادوا لإعلان امتعاضهم لتعليق بعض مواد الدستور رغم تفهمهم لأسباب التعليق، ولكن ما استفزهم هو مجالس المحافظات والتي أتت وكأنها بديل لمجلس الأمة، فجاء هذا الإعلان ذو الأسباب المحترمة، ومع ذلك كان لهم مخالفون من بعض إخوانهم في هذا الوطن ومع ذلك لم يخونهم أحد «اللهم إلا البعض القليل الهامشي» ولم يتهمهم أحد بأنهم مرتشون وكان الترجيح لكثرة واتساع الدعم الشعبي الذي كانت تقرأه الحكومة بشكل جيد جدا.. هذا عن دواوين الاثنين التي كانت تطالب بإعادة العمل بالدستور وبعض مواده المعطلة «ونضع تحتها أكثر من خط» أما تجمعات «إلا الدستور» التي تحذر من تفريغ الدستور ذلك التحذير الذي بات يستعمل كتخويفه منذ عشرين سنة تقريبا.. فعند طلب تعديل الدستور فإنه سيفتح الباب لتفريغه وعند الاختلاف على تفسير بعض مواده وبدلا من الذهاب للجهة التي أناط بها الدستور تفسير الاختلاف، يتم التغاضي عما جاء بالدستور ويتم الذهاب إلى الشارع وبتحدي القانون والقائمين على تطبيقه، فذهبوا إلى الشارع، وعندما نتابع كيف تفاعل الشارع مع شعار «إلا الدستور» سنرى ضعف التفاعل بل اللامبالاة ولتبيان ذلك فلنفترض ماذا يجب أن يكون عدد الحضور إن كان هناك تفاعل شعبي إيجابي فقد كان حضور ندواتهم لا يزيد على عدد سكرتارية النواب الحاضرين (15 سكرتيرا × 20 نائبا = 300) زد عليهم بعض المقربين والمؤيدين، والمنطقي ألا يقل عددهم عن 120 مثلا ورجال الصحافة الذين يزيدون على الـ 20 شخصا مصورين ومحررين بالإضافة إلى بعض المهتمين والذين يريدون الاطلاع والإحاطة بما يجري على الساحة أي ان المجموع يجب أن يزيد على الـ 500 شخص «تقريبا» وهذا بعيد عن الشارع والشعب وتفاعله.. ومع ذلك لم يكن عدد الحضور في كل من ندوات الخالدية والصليبخات والضاحية يزيد على الـ 300 أو قل 400 شخص في أحسن تقدير وهذا ما يؤشر على عدم الاهتمام الشعبي بهذا الموضوع وهذا يأتي كنتيجة طبيعية لعدم وجود قضية، اللهم إلا ما يدور في ذهن وخلد بعض أعضاء كتلة «إلا الدستور» من رغبة جامحة للتصعيد من أجل الوصول لحل مجلس بأي وسيلة أو طريقة، وهذا هدف معلن لبعض أعضاء تلك الكتلة «للأسف الشديد» لذلك لم يتفاعل الشارع مع ما رفع من شعار.. كما أن امتلاء الفضاء بالقنوات والصحف المطبوعة والالكترونية كشفت الحقائق أولا بأول، ولم تمنح الفرصة لأحد ليسوق قصة يرويها ويلوي بها الحقائق كما يريد ليستفز الجمهور.. فأصبح الشارع أو أغلبيته تدين هذه الحركة بعكس ما كان يحدث بالماضي من أن أي معارضة للحكومة يجد المتابع أن لها شعبية وألمعية خاصة بالشارع، اختفت هذه المرة بل ووجدنا الإدانة أو على الأقل الإهمال وعدم المبالاة.. ورغم ذلك فإن الأحزاب والكتل يبدو أنهم ما عادوا يجيدون قراءة الشارع بصورة صحيحة أو أنهم سائرون على ما اعتادوا عليه من أن معارضة الحكومة على أي حال أمر يحقق الشعبية، وهذا على ما يبدو ما جعل التجمع السلفي ينساق معهم رغم ما ظهر من عدم القناعة بالقضية وكذلك انسياق «حدس» وراء نائبها الوحيد ودعمهم له ببيان، وكذلك انقلاب التكتل الوطني الذي غضب على خلفية الرياضة وجاءت الحصانة ليتعلقوا بها ويركبوا قطار «إلا الدستور» لترميم صورتهم أمام الشارع ويقولوا انهم مازالوا معارضين أشاوس للحكومة، وكذلك بالنسبة لبعض المستقلين من الذين يريدون المحافظة على الدستور والقانون وهم دخلوا للمجلس عبر تجاوز الدستور والقانون من خلال الانتخابات الفرعية.. وكلهم يتحسبون لانتخابات تلوح مؤشراتها بالأفق، ووجدنا هذا الخليط الغريب يأتلف على أمل أن يحققوا فوزا كبيرا فيها كالذي حققه المعارضون بانتخابات 92 قبل عشرين عاما.. فإن كان تحليلي للوضع قريب من الواقع وهذا ما أؤمن به فإنه يدعوني لأقول: خاب تخطيطكم وضاعت بوصلتكم، فشتان بين القضيتين، دواوين الاثنين و«إلا الدستور»، وشتان بين الجمهورين والدعم الشعبي، وشتان بين الزمنين ووجود إعلام حر ينقل الأحداث صوتا وصورة للشارع وأولا بأول.. وأعتقد جازما بأنه لو حدث وتمت قراءة رأي الشارع الكويتي من هذه القضية علميا لوجدنا المعترضين على «إلا الدستور» هم أكثر بأضعاف من مؤيديها كما أن غير المبالين بما يحدث هم أضعاف الجمهورين معا.. فغير المبالين الذين هم الأكثرية الساحقة وإن كانوا غير راضين عن الحكومة فهم أيضا فقدوا الثقة ببعض أعضاء كتلة «إلا الدستور» وسئموا الإثارة والتصعيد غير المبررين والذين ملوا من مشاهدة أبطالها والأبطال الجدد وفقدوا الثقة بأن تؤدي هذه الأزمات المصطنعة إلى إنجاز يستفيد منه هذا الوطن العزيز أو هذا الشعب الكريم، بل انهم على ثقة بأن هذا يجري على حسابهما فقط.
[email protected]