تمر منظومة العمل الخيري بسلسلة طويلة من الإجراءات الملتحمة، فلا غنى لواحدة عن دعم أختها، ولعلي لا أكون مبالغا لو قلت إن أقواها إن لم يكن أهمها عنصر «المتبرع»، المحسن من أهل الخير الذي يكفل بسخاء يده هذه المسيرة، ويضمن لها أن تمتد باستمرار، ولعل في إرضاء طموح العمل الخيري الكثير، وعليه حتما أن يخوض معتركا وعرا.
دعوني أقل بمنتهى الصراحة، إن على الكيانات الخيرية إعطاء المتبرع حقه غير منقوص، وإن كنت اعلم يقينا قيام غالبية إن لم يكن كل الجمعيات والمبرات الخيرية بهذا الصنيع، حين جعلت منه شريكا في صناعة، هي أحوج ما تكون لاتحاد مكوناتها، وصولا لجودة المنتج، إذ توجب أن تكون هناك رؤى متحدة، تفسح المجال لغرس الثقة، التي هي رأس مال لا يقل أهمية عن المادة، وفي ظلال الثقة تلك تتبدد المخاوف وتبقى الآمال، فمادام وجد المتبرع اليد التي يأمنها على ماله، اقتنع ورضي، وزادت حماسته وأقبل سخاؤه.
وإنا لنحمد الله أن هيأ للعمل الخيري ما جعله حفيا بهذه الأمانة، جدير بأن يصون، وإن كنا قد اتفقنا على أن المتبرع شريك، فإن الحق يعطيه أيضا أن يكون على مسافة من المشاريع، تسمح له بأن يقول كلمته ويطلع على ما يجري، وهذا ما دفع الكثير من الجهات لاعتماد آليات تواصل مختلفة، تقوم بهذه الوظيفة خير قيام، من إرسال الرسائل النصية، مرورا بالتقارير الشهرية والسنوية لحركة ما أنجز، لتسليط الضوء على مشروعاته التي يكفلها، أو عقد اللقاءات التنويرية التي تستعرض الأفكار، وتتبادل الآراء، والحمدلله فهذه الطرق كلها كان لها الصدى الطيب في استقطاب عدد وفير من المحسنين، ممن آمنوا بالفكرة، لتتدفق تبرعاتهم سخية في قوالب خيرية منوعة، كان لها الأثر الملموس في دعم التوجهات الخيرية محليا ودوليا.
وهناك أيضا ما يعزز من احترام المتبرع، كالنزول على رغبته في كثير من المشاريع التي يرغب في كفالتها، وقد سعت الجهات الخيرية لاستيعاب هذه الرغبة، فكان الحرص على اختيار الشريك المنفذ، وتوثيق العمل على الأرض وإرساله للمتبرع، وكذا القيام بجولات تفقدية، مع أخذ جميع الضمانات القانونية، والسندات المحاسبية التي تحد من التلاعب أو توظيف هذه الأموال في أغراض مشبوهة، أو خروج العمل عن مساره، ولعل في التعاون مع بعض الجهات الرسمية بالدولة، كوزارتي الخارجية والشؤون ما يضبط الإيقاع، فمنظومة التبرعات والتحويلات المحكومة بشفافية ونزاهة، من هذه الجهات الرقابية حتما ستؤدي الى تعزيز الثقة.
لقد كانت هذه التوليفة دافعا للتفكير في تنويع الأنماط التقليدية المعمول بها، وصبغها بروح عصرية، تناسب المتبرعين وتتكيف وطبيعة المرحلة، وهذا ما أتاح رواجا مرضيا للعمل الخيري الكويتي، وأكسبه الحضور المشرف، الذي يعطي للإنسانية دفقات متواصلة للحياة.