على الرغم من أن الكويت تعتبر من حيث المساحة صغيرة بالحجم وكذلك قليلة بالسكان، إلا أنها واحدة من أغنى دول العالم، حيث تمتلك الكويت تقريبا 7% من الاحتياطي العالمي للنفط، والذي يمثل ما يقرب 102 مليار برميل. نتيجة لذلك، في عام 2019 بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 72.872 ألف دولار، وهو خامس أعلى معدل في العالم كما هو مذكور في صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية. وأكثر من 90% من الناتج المحلي السنوي الإجمالي للكويت يعتمد على الإيرادات النفطية، مع العلم أن للكويت صندوقا سياديا يعتبر الأقدم في العالم ويمكن أن نطلق عليه مصطلح «الصندوق الأسود»، فالكثير من تفاصيله غير معلنة. ونقلا عن وكالة «بلومبيرغ» الأميركية، فإن الهيئة العامة للاستثمار التي تدير الصندوق السيادي للكويت أصبح ترتيبها الثالث ضمن قائمة أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم من حيث الأصول المالية، حيث ارتفعت قيمة الصندوق إلى نحو 700 مليار دولار، في نهاية السنة المالية المنتهية في مارس 2021. هذه مقدمة لمقالتنا عن الحالة الكويتية التي تعتمد على الثروة النفطية وانعكاساتها على الحالة المالية للدولة.
على الرغم من الملاءة المالية في السنوات الماضية، للأسف أستطيع أن أقول على غرار المرض الهولندي، المرض الكويتي انتشر في الاقتصاد المحلي لدولتنا الحبيبة. فقط لتنشيط ذاكرة القارئ بخصوص المرض الهولندي، فهو مصطلح اقتصادي نشر في عام 1977 وهو الذي يطلق على الدول التي تعتمد على الموارد الطبيعية كالنفط دون تطوير في القطاعات الأخرى لديها. الكويت تسير على هذا النهج، مع خصوصية الحالة الكويتية.
إن اعتماد الدول النفطية على العائدات من بيع النفط ومنها الكويت، دون التنويع في مصادر الدخل وتكوين اقتصاد قوي يعتمد على الاستثمار في القطاعات الحيوية المختلفة كالصناعة، والتجارة، والزراعة، والسياحة، والطاقة، والتعليم، والصحة، وغيرها، هذا الاعتماد قد يؤدي إلى خلق أزمات اقتصادية وبناء نظام محلي غير مستدام. يجب أن يكون مفهوما لدى المسؤولين وأصحاب القرار، كون الكويت دولة غنية هذا يمنح الحكومة الفرصة لإنشاء نهج جديد للتعامل مع التحديات التي تواجه قطاعات الدولة بشكل عام، وتحديات القطاع الصحي المختلفة بشكل خاص، فقد لا تعود هذه الفرصة إذا لم نبدأ في إدارة الموارد المتاحة بفاعلية وكفاءة، والعمل بالبناء المستدام في أسرع وقت، فبالنهاية الأيام دول، كما ذكر ربنا عز وجل حين قال وتلك الأيام نداولها بين الناس «آل عمران: 140». فمن المحال دوام الحال، والزمان يومان، يوم لك ويوم عليك.
لا شيء مستحيلا إذا توافرت الرغبة الصادقة والإخلاص في العمل ووسد الأمر لأهله بأن نتعافى من المرض الكويتي كما تعافت هولندا من المرض الهولندي، فالسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه. لكن يجب أن يتم علاج المرض الكويتي بشكل سريع، وقبل فوات الأوان، «فإذا فات الفوت.. ما ينفع الصوت».