مثل قديم، مثل من التراث العربي الأصيل، مثل تناقلته الأجيال، مثل يصلح أن يستخدم كأسلوب حياة، مثل يصور لنا واقعنا الأليم، مثل يدل على أهمية الوفاء بالعهد، وليس فقط كثرة الكلام بلا عمل ولا نتيجة، أو الخطابات الرنانة دون أفعال، نعم أصبحنا نسمع جعجعة ولا نرى طحنا.
ما أكثرهم في هذا الزمان، وتجدهم في كل مكان، ويظنون أنهم ربحوا الرهان، ولكنهم في الحقيقة غارقون في الخسران، فالثمن اليوم رخيص، ولكنه عند العرض غال وشديد، فلا تبيع الغالي بالرخيص، وتمسك بالمثل والله إنها لا تقدر بثمن، والقليل من وفق لذلك، فالصدق والوفاء بالعهد، وإتقان العمل، كلها من صفات المؤمنين. وكفى فخرا وعزة من تمسك بهذه الخصال أن من وجهه إليها أفضل البشر، نبينا محمد ﷺ.
نلاحظ في مجتمعاتنا يزيد الكلام والتنظير، في جميع المجالات دون دليل، ولا عمل على أرض الواقع ولو شيء يسير، فأنت فشلت بفرش الأرض بالحصير، فلا نتوقع منك أن تنتج الحرير، وان سألته أين متوجه فستجده لا يعرف المسير، فقط يريد أن يدلو بدلوه ويحلق ويطير، وبعضهم يهدف من ذلك أن يحصل ويصير في مكان ما ويقبض من متاع الدنيا وهو قليل، وإن كثر بعينه فبالنهاية هو فقير، وحتى لو صار وزيرا، ألا تخاف الحساب العسير، وأنت لا تنتج لا طحينا ولا شعيرا، فقط جعجعة كما يفعل البعير، أتمنى هذا الكلام يكون لك في محل التذكير.
ما يبدر من الإنسان من تصرفات وسلوكيات وما يتصف به من صفات وخصال، هي نتاج يعبر عن شخصية الإنسان وأخلاقه، وهي الدافع والمسبب الأساسي لما يصدر عنه من أقوال وأفعال تجاه نفسه ومحيطه والمجتمع الذي يعيش فيه. فكن كالمطر أينما وقع نفع. اجعل الأمور النافعة نصب عينيك واعمل على تحقيقها ولا تلتفت للأمور الضارة التي تلهيك وتجلب لك الهم والحزن، واعلم أن الجنة غالية، وقليل من ينالها، ويحصل عليها، فهي تحتاج إلى عمل، والبعد عن الخذلان والكسل، ولا تنال فقط بالقول بل ببذل الجهد دون ملل، وكل ذلك بعد مشيئة وفضل ورحمة من الله عز وجل.
فالجعجعة اليوم كثيرة، والطحين قليل، وإن أردنا التقدم والريادة، فعلينا بعكس هذه المعادلة، فنريد أن تقل الجعجعة ويزيد الطحين، حتى لا يقال لنا جعجعة بدون طحين. فاللهم اعصمنا من آفات اللسان، ولا نقول إلا كما ذكر نبينا ﷺ فقال «اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك لسانا صادقا، وقلبا سليما، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأسألك من خير ما تعلم، وأستغفرك مما تعلم، إنك أنت علام الغيوب». (رواه أحمد).