ارتبطت القراءة بالكتاب، وارتبطت الثقافة والعلم بالكتاب، وسمي القرآن «كتاب»، ويؤتى الإنسان في الآخرة بالكتاب من أمامه أو من وراء ظهره، ويعرف الخطاب بالكتاب، ووصف معرفة الآخر بجملة «الكتاب يعرف من عنوانه».. وهكذا أخذت كلمة الكتاب معاني كثيرة، لما له من أهمية في حياة الإنسان.
وحتى نعرف قيمة الكتاب في أي مجتمع، ما علينا سوى معرفة حجم الكتب المبيعة والمتداولة في السوق، وعدد مرتادي المكتبات العامة. وأذكر أنه في السبعينيات عند زيارة أي مكتبة (تجارية أو عامة) وطلب كتاب، فإن البائع أو الموظف يرد عليك بسرعة إن كان الكتاب موجودا أم لا، ويعرف محتواه ولو بشكل جزئي، ويعرف المؤلفين والأدباء والمثقفين والعلماء، أما الآن فالقياس أمامكم.
قد يقول قائل: لقد ذهب عصر القراءة الورقية وشراء الكتب، وجاء عهد القراءة الالكترونية والكتب المجانية. فإن قبلت رأيه، فما حجم القراءة الالكترونية المفيدة والعلمية، بل ما حجم القراءة الالكترونية بشكل عام؟ بلا شك أنها في تنازل، وأصبحت القراءة الالكترونية للعودة للمراجع في الغالب.
أما المكتبات العامة التي جددتها الدولة في جميع مناطق الكويت، فإنها تشكو الزوار، وتشكو قدرتها على جذب الناس بفعاليات ثقافية، كما تفعل بعض المكتبات التجارية.
ولقياس الفارق، قمت بزيارة مكتبة مدينة مالمو المركزية (جنوب السويد)، فشعرت عمليا بالفارق بين الثقافتين، فالناس يقفون بالدور، ولاحظت تطور ثقافة المغتربين العرب هناك، حيث استأذنني صديقي واتجه لأحد الأقسام للقراءة، وتجولت بالمكتبة، واتجهت للقسم العربي، الذي كان صغيرا للغاية رغم العدد الكبير من المغتربين العرب هناك، والذين لم يساهموا بتزويد المكتبة ببعض الكتب والمراجع على سبيل الإهداء.
والأسلوب التقليدي الذي يقوم به المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والمكتبة الوطنية، في العناية بالقراءة ونشر الكتاب لن يجدي نفعا، فتسطيح القراءة في معارض الكتب السنوية بكتب الروايات وبلغات ركيكة لن يعطينا شعبا مثقفا، وإقامة أجنحة هنا وهناك على استحياء وبدون حملات إعلامية واعلانية لن تجدي نفعا، فلا بد أن تكون هذه سياسة دولة، والمجلس الوطني والمكتبة الوطنية يمثلان الدولة، فلمَ ينجحون في الفن وحفلات الغناء، ولا ينجحون في الثقافة والأدب؟!
وأمام هذا الانسحاب انبرت مؤسسات وأشخاص للاهتمام بالكتاب والقراءة، أبرزهم الأستاذ صالح المسباح الذي أفنى حياته بين الكتب والمجلات القديمة، فهو يملك في منزله أقدم مجلات وكتب في الكويت، فقد عاش سنوات طويلة يشتري على نفقته الخاصة الكتب والمجلات وبقايا مكتبات، حتى سوق الجمعة اشترى منه، ووجد فيه كنوزا كثيرة، ولكن دون أي دعم يذكر من الدولة، لدرجة أنه يعلن بين الحين والآخر عن بيع بعض كتبه!
وبالمقابل.. فعند أي مناسبة ثقافية يتسابقون لاستضافته في جناح الكتب والمجلات الكويتية القديمة بالمجان دون أي مكافأة له! حتى المكتبة الصغيرة الموجودة في يوم البحار يأخذون عليها إيجارا! ولعل الجهة الأكثر تعاونا معه هي رابطة الأدباء.
ولشهرته.. يزوره عشرات الباحثين من خارج الكويت، وبالأخص من السعودية.
لذا.. يمثل أ.صالح المسباح أنموذجا فريدا للاهتمام بتوثيق الكتاب والمجلات، وأدعو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لاستيعاب طاقته وخبراته في هذا المجال، بتخصيص جناح له في المكتبة الوطنية، أو في أي مكان آخر يستوعب جميع كتبه، وتعيين موظف لمساعدته، ونقل الخبرات له، ليستقبل الزوار في كل وقت، وتخصيص ميزانية لشراء الكتب، ومكافأة شهرية لجهوده المجانية التي يتبناها.
وإن لم تبادر وزارة الإعلام، فليس لنا سوى دعوة البنوك والقطاع الخاص لدعمه ماليا، والعم عبدالعزيز البابطين لاستيعابه ضمن مساحة مكتبته.
وشكرا أ.صالح المسباح على جهودك الرائعة، فأنت مفخرة وطنية كبيرة.