رأى ملك مليبار (أدنى يسار القارة الهندية) «شيرمان فرمال» انشقاق القمر فانبهر، فاستفسر من الكهنة عن ذلك، فلم يعرفوا، ولكنه بلا شك أمر عظيم. وبعد أيام رأى شيئا غريبا في المنام، واعتقد بعض الكهان ان رؤياه اشارة عن بعثة نبي.
وبعد فترة التقى مع تجار عرب عابرين في ميناء مسرس ـ كدنغلور، وذكر لهم حادثة انشقاق القمر، فأخبروه أن ذلك وقع حقيقة في مكة، وهي معجزة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فأثاره الأمر وقرر السفر للتعرف عليه.
ترك الملك ابنه خليفة مكانه، وارتحل إلى الحجاز، والتقى هناك النبي صلى الله عليه وسلم، فرحب به وأكرمه، وشرح له الإسلام بعدما أخبره ما رآه، فأسلم مباشرة هو ومن معه، وسمي بأبي بكر تاج الدين. وجاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «أهدى ملك الهند الى رسول الله صلى الله عليه وسلم جرة فيها زنجبيل، فأطعم أصحابه قطعة قطعة، فأطعمني منها قطعة». (رواه الحاكم في مستدركه).
وعندما أراد الملك العودة إلى بلاده، أرسل معه النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل مالك بن دينار رضي الله عنه، وأربعة عشر من أصحابه رضي الله عنهم.
وتعرض الملك في طريق العودة لمرض شديد، فتوقفوا في مدينة ظفار لعلاجه، إلا أن المرض قد زاد عليه، فأوصى أهله في مليبار برسالة مكتوبة بدخول الإسلام، ومساعدة مالك بن دينار وأصحابه في نشر دعوة الإسلام في البلاد، ثم توفي رحمه الله، ودفن هناك. وما زال قبره موجودا في ظفار، وبني بجانبه مسجد.
وبدأ مالك بن دينار وأصحابه دعوتهم في تلك البلاد، وبنوا مسجدا ليكون أول مسجد بني في الهند، وانتشر الإسلام سريعا في تلك المدينة لما رأى الناس من حسن هذا الدين والأخلاق الكريمة للدعاة.
ونظرا لما تتمتع به هذه المدينة من جمال طبيعتها وطيب هوائها، وخيرات كثيرة، سماها التجار العرب «خير الله»، والتي ينطقها الهنود بأعجميتهم «كيرلا».
وبنيت المساجد في كيرلا، ومن أشهرها مسجد مالك بن دينار بكاسركود، الذي بني بالقرب من قبره. وانتشر العلم الشرعي فيها، وجاء إليها كثير من العلماء من اليمن، فكان لهم قبول عظيم، فعينوا قضاة ورؤساء، ومضى الناس في مليبار على مذهبهم المذهب الشافعي، إذ إن معظم المسلمين في الهند يتبعون المذهب الحنفي.
ونستخرج من هذه الحادثة الآتي:
1- أثر المعجزات متعدٍ.
2- أول سفير في الإسلام هو الصحابي الجليل مالك بن دينار رضي الله عنه، قبل الصحابي مصعب بن عمير رضي الله عنه.
3- دخل الإسلام الهند بشكل مبكر جدا، بشكل سلمي، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ونال الملك شيرمان ورفاقه شرف لقائه وصحبته. وذلك قبل دخول المهلب بن أبي صفرة غازيا من شمالها.
وتحوي الهند حاليا قرابة 200 مليون مسلم، ولولا تقسيم الاستعمار البريطاني لها إلى 5 دول (الهند، وباكستان، وبنغلاديش، وكشمير، ونيبال)، لتجاوز عدد المسلمين في شبه القارة الهندية إلى 600 مليون مسلم، علما بأنهم كانوا يحكمون الهند طول تلك السنوات، متعايشين مع الهندوس والسيخ والمسيحيين بكل أمان ووئام.
وهكذا انتشر الإسلام بكل سلاسة بين الناس، منتشرا بين القلوب والوجدان، ليحتل المساحة الأكبر على مستوى العالم إيمانيا وبركة، ونسأل الله أن يؤلف القلوب. وها هم ينتشرون في العالم كله، يعملون بجد واجتهاد، وتصدرت بلادهم الصناعات الذكية والإلكترونية والتقليدية والغذائية والدوائية والذرية والنووية، لتكون الاقتصاد العالمي القادم بعد الصين.