قالت برصانة وجدية تامة: أريد صديقة مجنونة فلقد اكتفيت من كثرة العقلاء الذين حولي، أكملت حديثها وكأنها لم تنتبه لنظرات الاستغراب والاستنكار التي أحاطتها من الجميع، لا أقصد بالجنون ذهاب العقل، ولكني أعني أسلوب التعامل مع الحياة وتغيراتها ومفاجأتها، أريد إنسانة لا تنظر للأمور بجدية، فهي واعية لكل ما حولها ولكن نفسها غالية عليها، لذلك فهي تأخذها بالرحمة والحنان وتعيش حب الحياة في حركاتها وسكناتها وبكل أحاديثها، أعترف بأنني خلال العام المنصرم تعبت كثيرا من الأخبار السياسية والاقتصادية والصحية محليا وعالميا ومن أخبار الجائحة وانتشارها واللقاح، فالجميع أصبح يدلون بدلوه، وهناك مجاميع تسعى لجذبنا لرأيها وتحديد مجال رؤيتنا مع تفنيد آراء الآخرين بالصراخ أو الاستهزاء، وللأسف تعززت ظاهرة أنا على حق والجميع على باطل وعلينا أن نكون كالقطيع ونتبعهم حتى يرتاحوا، نحن بصدمة مما يجري حولنا ومثقلون بالهموم والمخاوف، أما الفيديوهات المروعة الحقيقية منها والمتبركة فتهز الوجدان وترفع من معدلات الخوف والقلق، أيام وأشهر مرت ونحن نتذبذب بين الأخبار والمعلومات المروعة والمؤلمة عدا الحظر الجزئي والكلي والتباعد الاجتماعي وتوقف الحركة الطبيعية للحياة.
قاطعتها إحداهن: نحن قوم نؤمن بالله وبأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا. ردت صاحبتنا بهدوئها المعتاد: والنعم بالله، حديثي لا يعني الكفر أو التقليل من الرضا بالقضاء فأنا مؤمنة بالله ومتمسكة بديني ولكن الرسول الكريم يقول (روحوا عن أنفسكم ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت) فكيف ونحن نعيش تحت ضغط من جهات متعددة تسببت في بث الملل والكآبة والاكتئاب عدا مشاعر الرتابة في الحياة والوحدة الاجتماعية، لذلك مللت من العقلاء الذين يفهمون كل شيء ويريدون الحديث وتحليل الأمور دائما، انني أبحث عن إنسانة تعيش وتتحدث عن الجمال والسعادة تحول الأحداث إلى مرح وتعليقات مضحكة، هي لا تنظر لماركة ملابسك ولا سيارتك ولا أين تسكن ولا أين تقضي إجازتك الأسبوعية والسنوية ولا تهمها آخر الأخبار المحلية والعالمية ولا إحصائيات الجائحة واللقاح أو البطالة وغيرها بل يهمها الإنسان بإنسانيته واحترامه لها وللآخرين تبث الإيجابية والتفاؤل حولها بأحاديثها وتعليقاتها ونكاتها، حضورها يخرجك من العالم المريض إلى عالم صحي منعش يتلون بالألوان المبهجة، مجرد جلوسي معها أو محادثتها بالهاتف مباشرة أو حتى الرسالة البسيطة منها تعيد لنفسي توازنها المفقود فأشاركها المشاغبة اللفظية وأضحك حتى أتعب من الضحك وقد أذرف الدموع من شدة الضحك، كم أتمنى العثور على مثل هذه الشخصية في هذا الزمن الكئيب.
أثارت صديقتي موضوع مهم غفلنا عنه في هذا الوقت العصيب وهو الصحة النفسية، فالأخبار السلبية والصادمة وكثرة متابعة التغطيات الإخبارية والشعور بالتهديد المستمر عدا الانعزال الإجباري عن الآخرين أدت إلى تفاقم الضغوط النفسية على الناس والخوف من المستقبل وأصبح التحفز وشدة الانتباه سلوكا بديلا عن الاسترخاء، الأمر الذي سيدفع إلى تغيرات سلوكية جديدة قد لا نتمناها في المجتمعات وفي الصحة العامة للأفراد مستقبلا.
رسالة أوجهها لسمو رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد: أعلم ضخامة المسؤوليات الملقاة على عاتقكم في هذا الوقت العصيب، ولكن النظرة المستقبلية للمجتمع تتطلب منكم الآن وضع سياسة إعلامية دينية صحية نفسية تربوية سباقة تنتشل المجتمع من اضطرابات ما بعد الأزمات وتشجع على ممارسة تقنيات تهدئة النفس نحن نحتاج لسياسة واعية تحمي المستقبل بإذن الله تعالى.