الشهرة هي داء العصر ففي الماضي كان المشاهير هم نخبة المجتمع والمتميزين من العلماء والمثقفين والشعراء والفنانين وغيرهم من الذين خلدوا أوطانهم بأعمالهم القيمة، أما في زمننا الحالي ومع اتساع الانترنت وبروز قوة الشبكات الاجتماعية الفضائية (فيسبوك ـ تويتر ـ واتساب ـ إنستغرام ـ سناب شات) ظهر لنا ما يعرف بمشاهير السوشيال ميديا والذين نجح بعضهم في تحقيق أرقام مذهلة من حيث عدد المتابعين ومعه اختلت الموازين، فلقد أصبح للشبكات الاجتماعية بمختلف أنواعها الصوت العالي والقدرة على فرض أفكار وأنماط سلوكية غريبة على مجتمعاتنا واقتحمت مصطلحاتهم وكلماتهم قاموس اللهجات المحلية حتى انها توجت ومع الأسف الشديد، كمركز إعلامي ودعائي ناجح رغم كل الاعتراضات والملاحظات المعاكسة له.
بعض مشاهير السوشيال ميديا تعدت شهرتهم النطاق المحلي ووصلوا للعالمية وبدأت شركات عالمية تطلبهم كوجوه اعلامية للشركة وتسهم في تعزيز النزعة الاستهلاكية للمجتمعات، ولكن هل ما يقدمه هؤلاء المشاهير ينصب في خانة المفيد أو المقبول أو حتى النافع؟!
يرى الكثيرون أن لمشاهير السوشيال ميديا الحرية فيما يقولونه أو يوثقونه، ولكن بمسح بسيط على أغلب ما يقرأ أو يتابع نجد أن هناك مواقع لمشاهير تلعب الفبركة دورا مميزا فيه خاصة لدى من لا يملك منهم رسالة معينة يقدمها للمجتمع، فأغلب اليوميات أو التعليقات أو حتى المشاجرات مخطط لها مسبقا مع توزع الأدوار والمحادثات مع كلمات المدح أو الذم بل ووصلنا الى ألفاظ الشتائم، ولا عزاء للمتابعين.
هؤلاء يسعون لجذب الانتباه بكل الطرق فلقد تحكم هوس الشهرة فيهم وتضخمت معها «الأنا»، وحتى يتضاعف عدد المتابعين أكثر فأكثر خلقوا لأنفسهم صورة غير واقعية وحياة مزيفة، وقدموا أنفسهم بصورة منمقة جميلة وبمساحة حرية واسعة، وتحت حجة التواصل مع الجماهير بلا حواجز اخترقوا خصوصية حياتهم فعرضوا منازلهم وغرفهم الخاصة وتحدثوا وهم على أسرة النوم وبعد أخذ الحمام اليومي وفي زياراتهم للأطباء وبالذات أطباء التجميل والمراكز التجميلية وحتى داخل غرف العمليات، كما عرض بعض المتزوجين منهم الحياة الزوجية كثنائيات يومية لزوج وزوجته وبتأليف غريب وحكايات هيتشكوكية مملة فقط ليصبحوا حديثا للناس ويجذبوا عددا أكبر من المتابعين.
هؤلاء يستميتون وبكل الوسائل لاستمرار شهرتهم فان كانوا يسعون لها في الماضي بسبب حب الظهور أو لكسب قدر من المال أو لتغطية عيوبهم وخاصة ضعف الجوهر وافتقار عدد غير بسيط منهم للثقافة العامة والخبرة المحسوسة والموهبة الشخصية فإنها الآن قد تعدت ذلك فلقد أصبحوا أكثر حرصا على استمرار شهرتهم للثروات الكبيرة التي تتدفق عليهم من مصادر عدة مع الحصول على الثناء والمدح وكلما ازدادت شهرة بعضهم ازدادت مشاعر الكبر لديهم مع الاستعلاء على الآخرين واحتقارهم لمن هم دونهم، فبريق الشهرة يضعف أمامه البشر فما بالكم بضعاف النفوس، والمضحك أن بعضهم يحيط نفسه بحرس شخصي لحمايته من المعجبين.
ان حب الشهرة لم يأت من فراغ بل يغذيه المحيط الاجتماعي وكثرة المتابعين واستمرارهم، ولأننا نعيش زمن الرفاهية وتوافر أغلب الحاجات الأساسية مع معاناة البعض من الفراغ النفسي والروحي والفضول وغياب القدوات الحقيقية والمشرفة تركزت اهتمامات الجمهور وبالذات المراهقون والشباب من الجنسين بمتابعة وتشجيع هؤلاء المشاهير، وكان الله في العون.
[email protected]