بجلسة استرخاء بعد تعب اليوم وأنا أقلب قنوات التلفزيون استوقفني مشهد في قناة المجلس لإحدى الجلسات القديمة لمجلس الأمة بالأبيض والأسود، لا أنكر أبدا أنني استمتعت كثيرا بالمتابعة فنواب ذلك الزمان بجميع طوائفهم ومراحلهم العمرية وتنوع ثقافاتهم يتميزون باحترامهم لقبة البرلمان، فنبرة الحديث معتدلة حتى عند الاعتراض مع استخدام الألقاب الرسمية أو ألفاظ الحشيمة الكويتية المتميزة، أما النقاش فمنطقي عقلاني، شعرت بهيبة البرلمان في ذلك الزمان.
مشاهد جميلة جدا لم يمر عليها مائة عام بل سنوات لم تزد على أربعين عاما فماذا حدث لننقلب هذا الانقلاب المؤلم، بنظرة فاحصة لكل الأحداث التي مرت على وطننا أجد أن الخلل مصدره التساهل الحكومى المفرط والهوية الجديدة التي دخلت لحياتنا ودرجة الولاء الوطني، ففي الماضي كان السياسيون هم أبناء الوطن الحقيقيون أبا عن جد، سواء أكانوا حضرا أو بدوا، سنة أم شيعة، كانوا يبحثون عن مصلحة الوطن الذي زرعت بذور محبته في قلوبهم فأينعت بناء الدولة بكل مرافقها وقوانينها، لا ننكر أنه كان منهم من سعى لمصالح شخصية ولكنه لم ينس المساهمة في البناء. الآن وللأسف اختيار معظم الوزراء لا يقوم على الكفاءة بل للترضية مع عدم المحاسبة على الأخطاء الفادحة أو العجز عن تنفيذ الخطة الحكومية، أما النواب فهم نوائب ابتلينا بهم وأحد أهم أسباب التدهور التشريعي في وطننا وزعزعة هيبة الوطن في الداخل والخارج.
داخل المجلس نجد كوكتيلا من المصالح المتصارعة بعيدا عن خدمة الوطن والمواطن، فالبعض يسعى لتحقيق أجندات جمعيات يتبعونها وآخرون يسعون لتهييج الشارع المحلي وبث سموم فكرية لتحقيق مصالح خاصة أو تنفيذ لأجندات خارجية، ومجموعة تقاتل لتجنيس غير الكويتيين وبأعداد كبيرة وتثبيت وجودهم داخل البلاد، أما سقطات الزمان من النواب الذين دخلوا المجلس وهم لا يفقهون حتى أبجديات السياسة فهم كالمحرك الخربان إن تكلموا أزعجوا وإن صمتوا فهم عالة على المجلس، والأدهى هم نواب مسرح العرائس فخيوطهم بأيد خارجية تحركهم حسب مصالحها.. أما المخلصون وهم قلة فلهم الله.
لغة الحوار أصبحت الطعن بالذمم والهجوم على الأشخاص والتسفيه بالمقترحات والصراخ مع التهديد والاهتمام بالاستعراض الإعلامي، صورة عليلة تختلف اختلافا بينا عن صورة مجلس الأبيض والأسود، وأخذ الساسة ينسجون خيوط المصالح الوطنية كما يزعمون بمعزل عن العدالة وتزايدت معدلات الفساد وطبعا أصبح للواسطة دور قيادي في تسيير الأمور وضاع معها صاحب الحق وفقد أصحاب الكفاءات ثقتهم بتحقيق طموحاتهم، وبين الشد والجذب بين المواطنين والنواب والحكومة وتعالي أصوات الهجوم والإفراط بالتعليقات مع نشر بعض الفيديوهات الحقيقية أو المفبركة للفساد والضيق الشعبي عبر منصات التواصل الاجتماعي وكأن الغيرة على الكويت أصبحت بالهجوم فقط وإبراز السلبيات، المبالغة في الهجوم وكثرة تهديدات النواب مع عجز الحكومة الغريب عن التصدي لذلك أثر سلبا على صورة الكويت الخارجية فأصبحت وكأنها دولة من سبق لبق، وبدأنا نلاحظ ان هناك من يسعى لسن أسنانه للهجوم اللفظي والإعلامي على الكويت وشعبها وإثارة الرأي العام في بلادهم ضدنا للفوز بمكتسبات منوعة وتطاولت الألسنة علينا حتى من قبل من يعملون في بلادنا، وطبعا أغلبهم يهتم باستنزاف أموال الحكومة والشعب الكويتي في ظل عدم وجود سياسة حكومية دفاعية وإعلامية مدروسة لصون صورة الكويت داخليا وخارجيا.
إن هيبة الوطن هي غاية في حد ذاتها ولكن تتم بحذر وحنكة وبوعي تام وبما يسمو بمصالح الوطن داخليا وخارجيا ويحقق العدالة الوطنية ويحمي مكتسبات الشعب وموروثاته الأصيلة.
[email protected]