خصصت الأسابيع السابقة لمتابعة مجموعة ممن يطلق عليهم لقب «مدربو تحسين الحياة» ممن يتمتعون بشهرة واسعة في مجتمعاتنا العربية ويقدمون استشارات لمتابعيهم الذين يعتبرونهم شخصيات ملهمة، تابعت العديد من الفيديويات لهم واطلعت على سيرتهم الذاتية، لاحظت إنهم لا يحملون شهادة تخصص في علم النفس أو الخدمة الاجتماعية ولكنهم اجتازوا دورات أخرى وحصل بعضهم على شهادة مدرب معتمد، وجدت أنهم يتشابهون في قدرتهم على الحديث بفصاحة واسترسال مع القوة على الهجوم بترتيب فكرى منظم ومقنع للمستمع العادي للعديد من القواعد السلوكية والاجتماعية لمجتمعاتنا، يقولون إنهم يسعون إلى رفع مستوى وعي الأفراد وبالذات النساء عبر ما يقدمونه، يدغدغون الأحلام بأحاديثهم عن تطوير الذات والوصول للنجاح والثراء والحب والسلام، وجميعهم يحوزون إعجاب متابعيهم بالصور والفيديوهات التي تظهر حياتهم الأسرية والعملية بأجمل صورة.
خلال المسح الذي قمت به استوقفتني العديد من النقاط أعجز عن سردها في مقالة محدودة المساحة ولكن سأشير إلى نقطتين الأولى لمدربة مشهورة تقول إن المرأة عندما تقرر الإنجاب فمسؤوليتها رعاية الأبناء وتوفير الحياة الكريمة لهم وكذلك الرجل وهذا يعتبر من حقوق الأبناء ولا يحق للوالدين أن يذكروا أبناءهم بما قاموا به فهذا واجبهم، أجزم بأن هذه المدربة لو كان لها أبناء وتعبت على تربيتهم لكان لها رد آخر غير الذي اجتهدت لنشره بين أوساط متابعيها، والله العالم، كم من شخص تعامل بفكرها وآذى والديه.
أنا لست بمدربة ولكنني عضو في الحياة الإنسانية وأم وبما أننا في زمن التشدق بمسمى الحقوق في كل شيء، أقول للمدربة من حقوق الأبناء على الوالدين التربية والرعاية ولكن الوالدين يسعيان لتوفير الأفضل في كل شيء لأولادهم وبمستوى أعلى من كونه مجرد حقوق وقد يقدمونهم على أنفسهم أحيانا كثيرة ويستمرون بالإنفاق عليهم حتى بعد أن يكبروا كما يساعدونهم وقت الحاجة بالدعم المالي والمعنوي، يعتبر الأبناء هذا حقا طبيعيا لهم ولكنهم تناسوا أن الوالدين قدما أكثر مما يتطلبه الأمر وهم لا يطلبون من أبنائهم سوى التقدير باللفظ والعمل وهو ما يسمى شرعا ببر الوالدين وعندما يعمد الوالدان لتذكير أبنائهم بدورهم فهم لا يقصدون التفضل على الأبناء ولكن للفت أنظارهم عند نسيانهم لوالديهم أو إساءتهم لهم بقصد أو بدون قصد، إن الثقافة المتمردة التي تنشرها المدربة تترك ظلالها الوخيمة على الحياة الأسرية وتشجع الأبناء على التمرد على والديهم.
المدربة الثانية تتشدق دائما بعدم تدخلها في حياة أبنائها وقراراتهم وبحياتها الأسرية السعيدة وأن على الأهل أن يتماشوا مع الحياة الحديثة في تعاملهم مع أبنائهم، وفجأة تظهر في أحد الفيديويات وهي حزينة وتتكلم عن أنه أحيانا وأثناء النقاش مع أبنائها فإنهم يتصرفون معها ويتحدثون بطريقة تؤلمها وتحاول أن تنسى الموضوع ولكنها تعجز فتتصل بهم وتؤنبهم وتذكرهم بالأصول العربية الإسلامية في التعامل مع الأم فأين التربية الحديثة؟
أفرزت السوشيال ميديا لنا عوالم مختلفة متنوعة الشكل والمضمون وجعلتنا نتشارك يوميات وأفكار العديد من الأشخاص، وأصبحنا نخضع لتأثير هذه المواقع بشكل مباشر وغير مباشر لذلك توجب علينا فلترة ما نراه وما نسمعه حتى تكون لنا القدرة على التحكم فيما ننتقيه وما نقتنع به ولا نكون أداة سهلة في أيدى المخربين لثقافتنا وقيمنا العربية الإسلامية الأصيلة ولحياتنا الأسرية.
[email protected]