فاجأتني كثرة الردود بعد نشر مقالة الأسبوع الماضي (همسة بالإذن) وجميعها من داخل الكويت وخارجها تحمل قصصا وحكايات للجحود بالوالدين أو التنكر لهما، حكايات حزينة ومؤلمة تفرض التساؤل: لماذا وصلنا إلى هذا الحال؟ وأين البر بالوالدين؟ ونحن كمجتمعات عربية ماذا نريد في حياتنا الأسرية؟ قضية اجتماعية مهمة تحتاج منا للتوقف أمامها.
القيم العربية الأصيلة تعزز الحب الأسري والارتباط العائلي وتنمي مبادئ احترام الوالدين، ولكن الحضارة الحديثة وسيطرة الماديات رفعت الشهوة الإنسانية لتوفير سبل الراحة العديدة والمستلزمات الاستهلاكية المتنوعة والمتجددة بصور وأشكال مختلفة من ملابس وسيارات وأدوات كهربائية وغيرها، وبمرور الوقت طغت الماديات على الحياة وأصبح مقياس الرضى النفسى هو القدرة على توفير هذه الأغراض كما يتطلب منك للحصول على القبول الاجتماعي أن تكون بمستوى مادي يسمح لك بذلك، وأصبح الإنسان يلهث في الدنيا للحصول على المال ليوفر لنفسه وعائلته ما يعتقد أنه جواز المرور للراحة والسعادة.
اعتبر الوالدان أن لزاما عليهما توفير كل ما لم يتمتعا به في صغرهما لأبنائهما من تعليم عال حتى وإن كان مكلفا مع حياة سهلة مرفهة وميسرة وحملا نفسيهما تكبد كل المسؤوليات وعدم إلزام الأبناء بشيء مهما كان بسيطا، وبما أن الحياة الاستهلاكية الحديثة لا تتوقف عند حد معين فقد يعجز أو يتعب الوالدان وهو أمر مرفوض من الأبناء لأنهم يرونه حقا طبيعيا لهم وبخس لحقوقهم.
اجتهد الوالدان لتوفير كل شيء لأبنائهما، ولكنهما نسيا زرع المبادئ الدينية والقيم الاجتماعية في نفوسهم وأصبحت العلاقة الأسرية في نظر الأبناء مسألة حقوق فقط وليست حقوقا وواجبات، وأن على الأبناء حب واحترام والديهم والقيام بواجبهم عند الكبر والبر بهما في حياتهما وبعد الممات، بدأنا نشاهد حرص الأبناء على كسب رضا أصدقائهم أو أزواجهم وزوجاتهم حتى إن كان على حساب رضا الوالدين، وأصبح الوالدان في آخر القائمة ولوقت الفراغ فقط، انصرف الأبناء من جوار والديهم وانشغلوا عنهم بأمور وأشياء كثيرة ولم يعد الوالدين يجدا من يسمعهما أو من يسعى لرضاهما.
بالصوت العالي أدعو الأبناء وكل من يقرأ مقالتي للتوقف عن الأنانية والالتفات لوالديهم وكبار السن الذين يعيشون معهم في هذه الحياة، فهم بركة الحياة التي تناسوها، ففرعون طاغية، ولكن الله أخّر عقابه ولم يطبق البحر عليه إلا بعد أن توفت والدته، وانتهت معها بركة حياته.
إن والديكم وأقاربكم لا يحتاجون منكم في عمرهم المتقدم إلا للبسمة الحنونة واللمسة الرحيمة والكلمات اللطيفة والجميلة التي تسندهم وترمم أجسادهم المريضة ونفوسهم المرهقة الجريحة بفقد رفقائهم، إنهم بحاجة لأن تشاركوهم أيامهم الأخيرة وتكونوا سندا لهم بدلا من الانصراف عنهم بملاهي الحياة وانشغالاتها وتذكروا بأنكم ستكبرون كما كبروا بالعمر وما تقدموه سيدخر لكم.
[email protected]