يعانى معظم البشر في زمننا الحالي من تزايد مشاعر القلق والخوف من أمور كثيرة خصوصا مع ارتفاع معدلات البطالة والخوف من المستقبل وتزايد الحروب والمشاكل السياسية والفتن الدينية والمذهبية والطائفية وتدهور مشاعر الانتماء للجماعة والمعاناة من ضياع بوصلة حياتهم وأهدافهم وغيرها مما جعلهم يبحثون حولهم عن طوق النجاة لعل وعسى يجدون الراحة والسكينة لنفوسهم المضطربة حتى وإن استدعى ذلك بذل المال والوقت.
مشاعر القلق الإنساني والرعب من الفشل تزامنت مع سرعة التطور حولنا ولأن الشهادة الجامعية أو حتى الدبلوم لا تحقق الاكتفاء العلمي والحياتي قفز نظام الدورات للواجهة وبقوة فمن خلالها يستطيع الفرد أن يتعلم مواد ومهارات جديدة فنظمت دورات التنمية الذاتية ودورات إعداد مدرب معتمد ودورات أسرية وعلاقات اجتماعية وصحية، وغيرها.
بنظرة سريعة للدورات نجد عناوين براقة بمحاور توهمك بأنها ستساعدك على إصلاح أمور كثيرة وستنجح في تطوير ذاتك وتطوير مجالك المهني وحياتك الأسرية وستنجح في كتابة سيرتك الذاتية وفى المقابلات الشخصية وبمهنتك أو مشروعك وقد تصل للثراء والغنى وقد تصبح مدربا معتمدا أو كاتبا أو مذيعا وخطيبا مفوها في غضون فترة بسيطة تتراوح بين ثلاثة أيام وأسبوعين مع شهادة مصدقة من إحدى الجهات الرسمية أو الجامعات العالمية، أوهام تباع في بعض الدورات بقيمة الاشتراك ومن يقاوم إغراء شخص يعده بحلول جذرية لمشاكل تؤرقه أو أحلام تداعب خياله، كما أقنعوهم بأن طموحاتهم العالية سهلة التحقيق ولكن في النهاية تجد أن هذا المدرب وغيره قد مارسوا مهاراتهم الكلامية فأحسنوا التلاعب بمشاعر الحماسة المتدفقة والضغط على زر الحماسة المفرطة ولعبوا بأحلام الأفراد المكبوتة مع الدعوة أحيانا للتنفيس عن غضبهم من الدين الذي حرمهم من التمتع بجمال الحياة ووفرة معطياتها وحجر على عقولهم بالرغم من أن الإيمان لا يعنى إلغاء العقل كما يدعون، كما برمجوا المتدربين على إظهار الغضب من المجتمع الذي قيدهم بعادات وتقاليد عفّى عليها الزمن وعرضهم للبطالة والواسطة، أوهام تزرع داخل العقول تصطدم بالواقع الحقيقي فيولد معها مشاعر الاكتئاب والحزن والرفض والانهيار النفسى وشاهدنا وقائع التهاون الديني وخلع الحجاب وإبراز الفتنة وكثرة حالات الطلاق وإهمال الأسرة والأبناء بحثا عن تحقيق الذات أو لجمع الثروات.
ظاهرة مؤلمة أصبحت تجارة رابحة للمدربين يلعب أصحابها على احتياجات الأفراد ومعاناتهم، ومن باب خدمة المجتمع أوجه التساؤل لوزارة الشؤون: هل يعقل أن من يحمل شهادة سكرتارية يقدم دورات البرمجة العقلية أو يكون قد يكون مدرب حياة وهل مدرب الإتيكيت له الحق في إعطاء استشارات اجتماعية ونفسية وحياتيه؟ وهل التقاعد من العمل يعني التحول للتدريب في مجالات متنوعة لا يملك المتقاعد أي مؤهل معتمد فيها؟ ونستثني مما سبق المراكز المعتمدة ومدربي الصف الأول المحترمين.
حماية المجتمع يفرض على الحكومة الانتباه لهذا الاستغلال والتدمير للمجتمع خاصة مع الإقبال المتزايد على الدورات فهناك مجالات واضحة ومحددة للتطوير وهى التدريب والاستشارة والعلاج والتوجيه، وبما أن لها روافد انتشار متزايدة فيجب علي الحكومة تشريع قوانين تساهم في تنظيم سوق هذه المهن بضرورة استصدار تصريح خاص بالتدريب وفق معايير منظمة للمدرب، منها الحصول على شهادة معتمدة من جهات تعليمية موثوق بها في مجال موضوع التدريب مع تواجد الخبرة وألا تقل عن 5 سنوات في مجال تخصصه مع ضرورة اجتياز اختبار لتقييم قدرته على التدريب ومهاراته وضرورة استصدار رخصة لكل دورة مع المتابعة والرقابة وتقييم المدرب، أما المجالات النفسية فتترك للمعالجين النفسيين فقط، وضرورة سن قوانين تحمي الأفراد من استغلال المدربين والمعالجين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتقديم نصائح مجانية وقصص وحكايات كدعاية لأنفسهم، أما الإعلام فيجب عليه التركيز على ذوي الكفاءة من المدربين مع تحري الدقة في اختيار ضيوف البرامج لتحقيق التطوير الحقيقي للأفراد والمجتمع.
[email protected]