الصحة لم تعد شأنا يتعلق بوزارات الصحة فقط، بل أصبحت شأنا أكبر بكثير من قدرات وإمكانيات ورؤية وزارات الصحة وخططها، ولم يعد الحديث عن الصحة محدودا باجتماعات وتقارير منظمة الصحة العالمية، بل إن الهموم والقضايا المتعلقة بالصحة أصبحت بنودا شبه ثابتة باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والعديد من منظماتها التي كانت تترك الشأن الصحي لمنظمة الصحة العالمية.
وقد ظهر ذلك بوضوح في السنوات الأخيرة وأصبح أكثر وضوحا مع صدور قرار قمة الأمم المتحدة باعتماد الأهداف والغايات العالمية للتنمية المستدامة SDG›S حتى عام 2030 والتي تعتبر الصحة بمنزلة العمود الفقري لها وأصبحت الديبلوماسية الدولية أمام تحديات الديبلوماسية الصحية التي نلاحظ نموها باضطراد ومن بينها ديبلوماسية التطعيم التي نعيشها الآن وتحتل جزءا كبيرا من اهتمامات الساسة والعاملون بالسياسة الخارجية.
ووسط هذه التحديات فإن وجود الكوادر المتخصصة في الديبلوماسية الصحية أصبح ضرورة وقد يتطلب مهارات ومعارف واهتمامات ديبلوماسية وصحية قد تتوافر لدى جيل جديد من الأطباء يجب إعدادهم جيدا لتلك المسؤوليات وضمهم إلى العاملين بالسلك الديبلوماسي أو ديبلوماسيين يتم تزويدهم بمعارف ومهارات الديبلوماسية الصحية في كليات العلوم السياسية ومعاهد إعداد الديبلوماسيين.
وأعتقد أن السنوات القادمة ستجعل من المتخصصين في الديبلوماسية الصحية تخصصات نادرة تتهافت عليها المنظمات الدولية والإقليمية ووزارات الخارجية وإن مقترح إدخال الديبلوماسية الصحية ضمن مناهج كليات الطب والصحة العامة والعلوم السياسية وكليات الدراسات العليا جدير بالدراسة ووضع الآلية المناسبة لتطبيقه لتعزيز البنية الأساسية في الكويت بهذا المجال وتلبية الاحتياجات المستقبلية وخصوصا أن الكويت دولة مانحة في المجالات الصحية وأمامها الكثير من الأدوار الديبلوماسية التي يمكن أن تضطلع بها في مجال الديبلوماسية الصحية، ولدينا رصيد متنامٍ في العلاقات الدولية ذات الصلة بالصحة والرؤية المستقبلية لبرامجها واستراتيجياتها في قلب الأهداف العالمية للتنمية المستدامة حتى عام 2030 والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالشأن الصحي.
وأكاد أجزم بأن العديد من من الاتفاقيات والالتزامات تجاه المجتمع الدولي تنتظر متابعة حثيثة من المتخصصين والمهتمين بالديبلوماسية الصحية نظرا لأبعادها المتعددة وآن الأوان للتحليق عاليا في أجواء العمل الديبلوماسي والسياسة الخارجية المفعمة بالقضايا والتحديات ذات العلاقة بالصحة والتي تظهر بوضوح عند إلقاء نظرة سريعة على جداول أعمال ووثائق اجتماعات المنظمات الدولية والإقليمية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان.
وفي هذا المجال أتذكر السفير منصور العتيبي مندوب الكويت في الأمم المتحدة الذي أفسح لي المجال لتقديم تقرير الكويت عن التقدم بتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية ذات العلاقة بالتصدي للإيدز في لفتة كريمة لإفساح المجال للدبلوماسية الصحية في أروقة الأمم المتحدة وضمن رؤية ثاقبة لأهميتها ودورها في العلاقات الدولية.