عندما تتحدث الدول المتقدمة والمنظمات الدولية عن الصحة فإن آخر ما يتطرق إليه الحديث هو الأدوية والأجهزة الطبية، لأن الصحة حسب تعريف منظمة الصحة العالمية ومنذ إنشائها لا تقتصر فقط على علاج الأمراض والأوبئة.
وإن معظم الدول وقد كانت من بينها الكويت تطلق على وزارة الصحة مسمى وزارة الصحة العامة بمعنى أنها ليست وزارة علاج الأمراض فقط، بل إنها تعنى بالنواحي الوقائية أيضا. وعندما يكون هذا هو الفكر السائد لمن يضعون الخطط والبرامج ويخصصون الميزانيات فإن الدولة سوف تشهد برامج وقائية لتحقيق الصحة سواء في المنزل أو المدرسة أو المجتمع وليس بالضرورة من خلال وزارة الصحة.
ولكن بعد عقود من تغيير وزارة الصحة العامة والاكتفاء بوزارة الصحة فقط وتركيز الوزارة على الأدوية والمستشفيات، فقد انتشرت العادات والسلوكيات غير الصحية مثل التدخين والتغذية غير الصحية عالية المحتوى من الأملاح والسكريات والدهون والخمول البدني.
وأثناء زيارتي لموقع منظمة الصحة العالمية مؤخرا وجدت إصدارا جديدا للمنظمة عن الأمراض المزمنة بدول العالم في عام 2018 ولكل دولة تم عرض مؤشرات معدلات الوفيات وانتشار الأمراض المزمنة فيها مثل السكر وأمراض القلب والأمراض التنفسية المزمنة وعوامل الخطورة مثل التدخين والخمول البدني والسمنة ومتوسط الملح الذي يتناوله الشخص الواحد يوميا.
وكم كانت صدمتي وقلقي عندما وجدت أن المعلومات المتعلقة بالكويت بالتقرير هي مؤشرات تدل على فشل البرامج الوقائية، حيث وصل معدل الخمول البدني إلى 65% وهو أعلى المعدلات على مستوى العالم حسب بيانات التقرير الحديث، وكذلك فإن مؤشر متوسط ما يتناوله الفرد من السكان يوميا من الملح قد بلغ ما يعادل ضعف الكمية الموصى بها من منظمة الصحة العالمية.
أما عن معدل انتشار السمنة فقد بلغ 37% وهو نفس المعدل في الولايات المتحدة الأميركية وأعلى المعدلات على مستوى دول مجلس التعاون.
وقد كانت جميع الأرقام والمؤشرات المتعلقة بالصحة للكويت مزعجة وتتطلب ما هو أعمق من القراءة والاطلاع والاستياء والإنكار، لأن عوامل الخطورة اليوم هي أمراض الغد وهي المضاعفات بكل ما يعنيه ذلك من مؤشرات لفشل البرامج الوقائية وغياب الرؤية الواعية عن الصحة بمفهومها الشامل.
وأتمنى أن تشهد الفترة القادمة فزعة شاملة من جميع أجهزة الدولة من خارج وزارة الصحة من القطاع الخاص ومن مؤسسات المجتمع المدني وجمعيات النفع العام للقيام بأدوارها لمحاربة الخمول البدني والتصدي للسمنة من أجل كويتيين أصحاء وعدم الاعتماد على وزارة الصحة فقط والتي أصبحت اهتماماتها مقصورة على العلاج والمستشفيات والأدوية.