قبل انفجار «ماسورة المستريحين» بأيام، كنت أتابع «ترندات» وسائل التواصل الاجتماعي لأجد تفاعلاً كبيراً مع فيديو ما أسموه «الفلاح الراقص» أو عم فوزي السعيطي (65 عاما) والمقيم بإحدى القرى النائية بمركز حوش عيسى، محافظة البحيرة، أي أنه فلاح.. ابن فلاح.. تمتد جذوره إلى عمق أرضنا الطيبة، لوحت شمس الحقول بشرته، وشقق هواؤها وجفافها جلده، واخشنت يداه من القبض على الفأس والمنجل، وتغضنت ملامح وجهه بفعل السنين.. وما أدراك ما فعل السنين بفلاح تمسك بأرضه ودعك طينها بأصابعه وفركه بكفوفه.
كان عم فوزي يرقص فرحا جذلا، لا يهتم بكاميرا الهاتف الذي يصوره، ولا يعلم معنى «الترند»، ولا الحديث للإعلام، فقد تحول شابا رشيقا فرحا بمحصول القمح الذي حصده من أرض يستأجرها، سعيدا بأن فدان القمح الذي رواه بعرقه وجهده أثمر عن 25 أردباً.
إنها فرحة لا يعرف مذاقها إلا من يدرك قيمة العمل وحلاوة النجاح وطعم قطف ثمار الجهد والعرق.
هل شاهدتم مجموعة الفيديوهات التي رفض فيها مسنون وعجائز مصريون نقودا من فاعل الخير الذي ادعى أنه مذيع لبرنامج مسابقات وسألهم أسئلة شديدة السهولة ليوهمهم بأنهم ربحوا الجائزة بمجهودهم؟، فما كان منهم إلا أن تساءلوا مستنكرين: هل هذه النقود ستكون حلالاً لو قبلوها دون أن يبذلوا جهدا أو عرقا لاكتسابها؟
تلك هي الفطرة السليمة للبشر.. وهذا ما كنا عليه، أمّا ما أصبحنا عليه فهو الإجابة «العفوية» لإحدى ضحايا «مستريح أسوان» عندما سألوه: ألم تشك في أن الرجل نصاب؟.. فأجاب «الضحية»: أبدا كنا نحسبه يتاجر في المخدرات أو الآثار أو يغسل أموال أحدهم!
ما أصبحنا عليه أن تسأل طفلة صغيرة ماذا تتمنين أن تصبحي في المستقبل؟.. وكانت الإجابة التقليدية في زماننا: طبيبة - مهندسة - مدرسة - صيدلانية - محامية - عالمة - مذيعة - كاتبة - مضيفة..
أما اليوم، فتقول بكل براءة أريد أن أصبح: فاشينيستا - يوتيوبر - إنفلونسر زي طنط فيفي!!
تركنا قيمة العمل تتضاءل، وغيّبنا عامدين مفهوم أهمية العمل الشريف في حياة الفرد وضرورته لتطور المجتمعات، ودوره في صنع كيان الإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه، نسينا أو تناسينا تعاليم جميع الأديان بضرورة العمل واحترامه، فكيف ومتى حدث ذلك وما الحل يا سادة يا كرام؟.. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.
www.hossamfathy.net
Twitter: @hossamfathy66
Facebook: hossamfathy66
Alanba email ID
[email protected]