لكي نصل إلى ما «يقع» في «الساحل الشرير»، يجب أن نعود قليلاً إلى التغيرات الاجتماعية التي حدثت في مصر مع ظهور الانفتاح الاقتصادي، وطبقة «الحيتان» وسط السبعينيات، وبدء عودة العاملين في الخليج (الثمانينيات والتسعينيات)، ومن ثم عصر «الميجامليارديرات» في الألفية الجديدة وحتى الآن.
في فترة الخمسينيات والستينيات لم تكن فكرة «المنزل الصيفي» منتشرة بين المصريين، إلا فئة محدودة جدا، وكانت رموزها تمتلك فللاً صغيرة في «العجمي» وما حولها، أما الغالبية فيستأجرون عقارات من السكان الأصليين في الإسكندرية وجمصة وبلطيم ومرسى مطروح.
ومع ظهور «حيتان» الانفتاح بنهاية السبعينيات، وعودة العاملين في دول الخليج في إجازات صيفية طويلة في الثمانينيات نشأت فكرة المنزل الصيفي الخاص، وبدأ إعمار مراقيا وماربيللا ومارينا (1 و2)، كسكن صيفي خاص لهذه الفئات، ثم انتشرت القرى العشوائية فيما تبقى من الساحل حتى مارينا.
ومع اختلاف الثقافات بين «الانفتاحيين» والأثرياء الجدد من ناحية، وبين «العائدين» من الخليج وعائلاتهم الذين يغلب عليهم الطابع المحافظ، وبالتالي أصبحوا يرفضون مشاهد «البكيني» وغيره من ملابس البحر من ناحية أخرى، وانكمش «الانفتاحيون» رافضين مشاهد «البوركيني» والسباحة بالجلباب، ومع التنافر بدأت هجرة «المنفتحين» غرباً حتى استقروا في «مارينا» التي «كانت» رمزاً لهذه الطبقة طوال السنوات الـ 15 الأولى من الألفية الحالية، حتى لحقهم «العاديون» ومن كانوا بسطاء ليحتلوا مارينا أيضاً، فكان لا بد من النزوح غرباً مع بزوغ فكرة «الساحل الشرير»، وبدأت مشروعات عملاقة بمفاهيم جديدة، وقرى سياحية بلغ الأمر بالقائمين على إدارتها أن يعقدوا المقابلات الشخصية للراغبين في التملك، فلا يكفي أن تملك المال، بل أيضاً أن تكون مقتنعاً بالفكر الذي يحكم قرى «الساحل الشرير»، أو على الأقل لا تمانع في التعايش معه.. والأهم ألا تحاول تغييره!!
وكما تحولت «كومباوندات» التجمع وزايد إلى «جيتو» تحيط أسواره بحياة الأثرياء في القاهرة، أصبحت قرى «الساحل الشرير» هي المعادل «الصيفي» للكومباوندات، لتسهم في بناء مزيد من الحواجز الثقافية والاجتماعية التي تشعر ساكنيها بـ«التميز» الذي يسعون إليه ويطلقون عليه «الخصوصية».
وفي سبيل ذلك لا مانع من قبول أن تكون قيمة الوحدات مبالغاً فيها، وأسعار الخدمات فوق حدود المنطق، ورسوم الصيانة فلكية، مع تشديد «الأمن» على بوابات هذه القرى، فلا دخول إلا للملاك أو من تتم الموافقة على دعوتهم وحصولهم على «باركود».. الموافقة الشريفة!!
وهذا ما وجدت الإدارة الحالية في مصر الوضع عليه في الساحلين «الطيب» و«الشرير»، فكانت تجربة «العلمين» التي حظيت بأكبر قدر من الآراء المتناقضة ما بين الاستحسان والاستهجان.
وللحديث بقية.. إن كان في العمر بقية.
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.
www.hossamfathy.net
Twitter: @hossamfathy66
Facebook: hossamfathy66
Alanba email ID
[email protected]