فاجأني صديقي الخليجي بعبارة قصيرة.. وموجعة.. وتحمل في سياقها معاني مؤلمة.. وحسرات.
يقول: جاءتني ابنتي التي لم تتجاوز عامها السابع تقول إنها تريد أن أذهب معها إلى المدرسة لأنقلها من الصف الذي تدرس فيه، وعندما سألتها: ولماذا تريدين الانتقال؟ ما الذي يزعجك؟ أجابت ببراءة: لا أفهم شيئا من مدرّسة الصف التي تتكلم بلغة «غير مفهومة»!..
وأعطت عدة أمثلة لجمل وكلمات فهمت منها أن المدرّسة «مصرية» الجنسية، تتحدث وتشرح باللهجة المصرية!!
يقول صديقي: وعدت ابنتي خيراً، وجلست متعجباً.. أتذكر.. لقد نشأت وجيلي كله نفهم بل ونتحدث باللهجة المصرية كأهلها دون حتى أن نزور مصر، يكفي أننا كنا نحفظ حوارات كاملة من المسرحيات المصرية، ومقاطع كاملة من الأفلام، ونعطي مواعيدنا قبل أو بعد المسلسل المصري، ونذهب للسينما لنشاهد الفيلم المصري الجديد، بل كنا إذا سافرنا مع الأهل إلى دول المغرب العربي، واستعصى علينا التفاهم مع إخوتنا في تونس والمغرب باللهجتين المحليتين، كنا جميعا خليجيين ومغاربة وتونسيين نتفاهم باللهجة المصرية التي نفهمها بل ونتحدثها جميعاً، وذلك أيضا بسبب الحب الكبير الذي يكنّه أهل المغرب العربي لأغاني أم كلثوم وعبدالحليم، وعشقهم لسماع آيات كتاب الله الكريم بصوت عبدالباسط والطبلاوي، فماذا حدث حتى لم تعد طفلة خليجية لم تتجاوز السابعة من عمرها تشكو من عدم فهم لهجة معلّمتها المصرية؟
استمعت الى حكاية صديقي وتعجبه، ووجدتني أشرح له وجهة نظري فيما حدث - مع غصّة تعتصر قلبي - مُلخصاً إياها في طغيان الرغبة في تعليم أبنائنا اللغة الإنجليزية، ثم تراجع تأثير ومستوى الدراما المصرية، والأعمال الفنية لصالح الأعمال «التركية» المدبلجة باللهجة السورية، أو كارتون الأطفال المدبلج باللهجة الأردنية أو اللغة العربية الفصحى، ولا عيب في سماع كل اللهجات، لكن ما جعلني «أغص» هو التراجع الشديد لمستوى الأعمال الفنية المصرية، والتردي الكبير للدراما في السينما والمسرح والتلفزيون، وغياب دور «القوى الناعمة» التي كنا نفخر بوجودها.
الأمر يحتاج إلى «صحوة» ثقافية شاملة تعيد لمصر «قوتها الناعمة»، وترفع مستوى الأعمال الفنية، حتى تعود أعمالنا لتحتل المكانة التي تليق باسم مصر.. وحتى تعود ابنة صديقي ذات الأعوام السبعة لفهم ما تقوله المدرّسة المصرية!!
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.
www.hossamfathy.net
Twitter: @hossamfathy66
Facebook: hossamfathy66
Alanba email ID
[email protected]