سؤال بات يحيرني كثيرا، لماذا نكتب؟ تتردد أصداؤه بين الفينة والأخرى بين حنايا الأضلع، سؤال يقاطع صمت القلم وسكون الروح، يلهث باحثا عن إجابة مقنعة.
هل تعتبر الكتابة واجبا إنسانيا أو مهمة اجتماعية؟ هل يصح ادعاؤنا بأن الكتابة بوح لآلام الروح وإفصاح عن بعض معاناتها؟ هل نكتب لنشعل بكلماتنا ومشاعرنا شموع الأمل؟هل نحاول - حين نحلق بعيدا بصورنا وخيالاتنا لإشباع حاجة الجوع إلى الكلمات؟ هل نكتب رغبة في خلود الأثر؟ هل نتخيل كلماتنا سيفا يبارز في معركة أو رمحا يسابق الريح أو سهما يودع كبد القوس مشتاقا إلى هدفه؟ نكتب أحيانا تألما وشكوى مما يثور في أعماق وجداننا، وفي أحيان أخرى نكتب نيابة عمن لا قلم له ولا صوت، نكتب أحيانا للتنفيس وإراحة لضمائرنا المثقلة والمتعبة، نكتب اعترافا ببشريتنا وضعفنا وزلاتنا، وأملا في الغفران والتوبة.
نكتب لنحادث غيرنا مدعين القدرة على قراءة أفكارهم، ونحاول عبثا التعاطف معهم، والإحساس ببعض همومهم.
نكتب لنؤثر ونتأثر، نكتب ولنبحث عن قبس هداية ونار دافئة تعيد للذكرى حب الأم اللامتناهي، ودفء حضنها وأمنه، مثلما حين كنت طفلة أقف على أطراف أصابعي وأشد قامتي لأعلى، لكي أقنع الآخرين بأنني أكبر وأفهم، وأحيانا نحاول ببعض كلماتنا الهروب من ملاحقة الزمن ودولاب العمر، فنخلع سرا ثياب الكبار، ونمسح من صورنا وقارهم المصطنع، وسمتهم المتكلف، ونضحك بلا سبب ضحكات لم يكدر صفوها التفكير بالغد وهموم عالم الكبار الكئيب.
كتاباتنا رؤى سعيدة نهرب على أجنحتها من مرارة الحاضر إلى وعد الله الحق، نكتب بحثا عن الأمن والسلام، نكتب ولا بد أن نكتب، فكلماتنا تعابير صريحة ومبطنة، ولا تهدأ ولا تستقر حتى تسمع، نكتب حبا لصحبة القلم المؤنس الذي يسافر بنا إلى بلاد بعيدة، كل شيء فيها جديد ومثير، ولم نعهده من قبل، نهرب على صهوته من صمت الذات إلى حفل صاخب، وأحاديث مطولة مع صديق قديم، لم نره منذ زمن بعيد.
نكتب لأننا سئمنا الكلام الذي سرعان ما يتبخر في الهواء، نكتب لأننا عقلاء ملوا من عقولهم، واشتهوا بعض شطحات الجنون، واختراق أسوار المستحيل، نكتب لأننا نعشق زهور الفكر ونخاف عليها من الذبول.
ولكن... حين يصمت القلم، فهذا وحي حدث أكبر وأعمق تأثيرا لكل ما سبق، يتطلب فسحة زمن غير معلومة الأطراف لتتعافي وترجع لسابق عهدها.
مع خالص تحياتي
لطيفة الفودري