عندما كنت أقرأ بعض المقولات والحكم ونتائج تجارب الآخرين، وما تتمخض عنه من نصائح وتوجيهات للعامة علنا وللخاصة بشكل مبطن، كنت أصدق بعضها وأبتسم مستغربة من البعض مختلقة بعض الدعابات البريئة ومتجاوزة لمدى صدق وفاعلية الكثير منها.
لفترات طويلة ومتتابعة ورغم ما يمن الله تعالى به عليّ من علم متواضع وشغف جامح لاكتساب المزيد بالتثقف تارة وباقتباس نور من مدرسة الحياة تارات أخرى، كانت أحكامي وردود أفعالي تتأثر كثيرا بمدى نضجي العقلي المبني على تجاربي الحياتية الخاصة، والتي اعتقدتها كافية لأن تخط لي درب حكمة وأمان أنتهجه لذاتي، غافلة عن حقيقة اني نشأت في كنف أسري رائع يحميني من ألم الكثير من تجارب الحياة العديدة والمريرة التي خضتها بواسطة حكمة اب رائع رحمه الله وأم يجري الحنان والحب بين حنايا أضلعها وإخوة وأخوات يشكلون طوق نجاة وعزوة وسند، وهكذا هو الحال للجميع، هذا النوع من التنشئة جعلتني أكبر ويكبر معي اعتقادي بنضجي بشكل مبالغ فيه إلى أن بدأت الأمور تبدو مؤلمة اكثر من السابق حين توالت أخبار فقدان الكثير ممن أحببناهم في حياتنا، ومعاناة بعضهم من صنوف القدر، ونكران وجحود بعضهم لما كان يربطنا من صداقة حب في الله الى تساقط أقنعة البعض منهم، وكل ذلك بشكل متتابع سريع وخلال أيام معدودة وكأن مدرسة الحياة قد صاغت منهجا جديدا فيه من الصعوبة الشيء الكثير، وقد خصتني به لتعلمني ما وجب عليّ إدراكه خلال السنوات الماضية بأيام قليلة.
***
إن وقع هذا النوع من التجارب مؤلم جدا، فكلنا يعلم بأن التغيير في الحياة عادة ما يواجه بمقاومة عنيفة من النفس ووجوب الانتقال من دائرة الراحة الى الموضع الجديد، فما بالك إن حدث التغيير في أسس وثوابت واعتقادات للنفس وركائز للشخصية بشكل كامل، فهذا والله يشبه انتزاع الشوك من بين خيوط الحرير، ما أعانني شيء عليه الا إيماني وثقتي بأن الله تعالى يجزي الإنسان ويكتب قدره وفق منظومة نحن لا ندركها، ولكنه سبحانه عليم بصير، خلقنا وهو بنا أرحم الراحمين.
وما أعانني على قسوة هذه التجربة إلا ثقتي المطلقة بالله ربي أولا وآخرا وقبل أي شيء، فأصبحت أستيقظ كل صباح وفي داخلي ابتسامة، إن هناك أبراجا كبيرة عندما تحملنا للأعلى تجعلنا نرى الدنيا جميلة وهناك أبراج دمى تحملنا بضع درجات لتهوي بنا فتجعلنا نرى الدنيا من الأسفل.
كما أنه ليس كل ما نعتقده واقع فالنفس تصدق وتعيش خيال ما تحب وتهوى بينما واقع الحال يقول: افتح عقلك قبل عينيك وصدق شواهد الماضي فبها دلالات ومؤشرات تقول: كلنا يا عزيزي مجرد أرقام.
***
هناك مستقبل يحمل لنا بين طياته ما لا نعلم، أخفاه الله تعالى لحكمة يعلمها جل جلاله، مستقبل يخاطب من أجله عقل المؤمن قلبه قائلا: لا تجزع، فالتقلب من طبعك والثبات من طبعي، التسرع من طبعك والتأني من طبعي، الألم من طبعك والأمل من طبعي، كما أن الحنين من طبعك وحكمة الترفع والكبرياء من طبعي.
[email protected]