تبرز أهمية الإعلام والمصادر في تكوين الفرد والتأثير عليه،
ولا سيما الإعلام الذي اصبح يمثل اللاعب «الجوكر» الذي يمكن أن تراه يأخذ الكثير من الأدوار في هذه اللعبة، وقد تعرضت الكثير من النظريات العلمية لمفهوم قوة الإعلام وتأثيراته المتعددة منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ودخلت المعلومات على خط الإعلام كقوة تأثير على الأفراد والمجتمعات بداية من نظرية حارس البوابة، وأفكار الجمهور الإيجابي، والتأثيرات القوية للوسائل الإعلامية، ومفهوم القرية الكونية، صحيح أن هذه النظريات قد تراجعت في حقبة الستينيات، وظهرت النظريات التي تحد من تأثير وسائل الإعلام وتقول بقدرة الفرد على انتقائية ما يتعرض له من وسائل الإعلام، وبقدرته على الاختيار والتفضيل ومشاهدة ما يريد والعزوف عما لا يريد، واستخدامه وتفضيله لنوعية معينة تحقيقا لإشباع معين يسعى إليه.
وصحيح أن الدراسات والنظريات من ذاك الوقت وهي تتأرجح بين فكرتي التأثير القوي والضعيف للإعلام، ولكنها مع نهاية الحرب العالمية والدخول فيما بعد بما كان يسمى بالحرب الباردة أعطت مؤشرا قويا لا يقبل الشك في ظهور السلاح العالمي الجديد من خلال الآلة الإعلامية العملاقة.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية والدخول فيما بعد في الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، أدركت القوى العالمية أن الحرب العسكرية تكلفها الكثير والكثير من القتلى والضحايا والمصابين، من هنا كان بزوغ السلاح العالمي الجديد المتمثل في الآلة الإعلامية، فالبيانات تقابلها بيانات، والتصريحات تقابلها تصريحات، والخطب الرنانة تقابلها خطب أخرى، والتهديدات يتم الرد عليها بتهديدات مقابلة، وهكذا تحولت المعارك من ساحات القتال، الى صفحات الجرائد وشاشات التلفاز مرورا بوسائل التواصل الاجتماعي، أي من فوهات المدافع، إلى منصات الخطب، ومن طلقات الرصاص إلى فوهات الميكروفونات، وهكذا بدأت الحرب الإعلامية تتبلور وتتشكل وتتطور يوما بعد يوم، وتضيف وتعدل من استراتيجياتها وتطور من وسائلها المستخدمة، فمن طباعة «جوتنبرغ» إلى المطبوعات حتى الأقمار الاصطناعية والتواصل الاجتماعي كان الطريق مزدحما ومليئا بالوسائل الإعلامية المتنوعة، التي جعلت اللجوء إلى الصراع العسكري مرحلة أخيرة وليست أولى، وحولت مفاهيم الغزو الاستعماري إلى الغزو الفكري والثقافي وتذويب الهويات والقوميات والتأثير في الأجيال الصاعدة، والضرب في صميم المجتمعات، ولاسيما في القضاء على أعمدة الحاضر وركائز المستقبل، لذا كان للشباب اهتمام خاص بالوسائل الإعلامية، فالإعلام يضرب على الوتر الحساس، لكن كل ما سبق حكومتنا الرشيدة لا تعلم عنه أو انها تعلم ولكنها تعمل بمفهوم نظرية التطنيش «قل ما شئت ونحن نفعل ما نريد»، وهذا لن يستمر طويلا.. فهمتوها؟!