يكتب أحدنا مقالا أدبيا، أو خاطرة ذهنية، أو مراجعة كتاب، فيأخذ منه أياما طوالا، أو ساعات عديدة، من عصف أفكار، وانتقاء ألفاظ، وتسطير جمل، وتغيير عبارات «ان استدعى الأمر»، ثم يقدمها على طبق من مشاعر فياضة، وأحاسيس جياشة، وتطلعات عالية، فيصاب بخيبة أمل كالتي حلت على أبي حيان التوحيدي أو التي نزلت على إرنست همنغواي، أما الأول فقد أحرق كتبه قبل موته، وأما الآخر فقد دخل بالاكتئاب الذي أدى إلى انتحاره.
ويبذل أحدنا جهده في ترتيبات وتجهيزات لمناسبات خاصة وعامة، فتأخذ منه الوقت الطويل، فمن اختيار المكان إلى تجهيزه، ومن ضبط الأجندة إلى ترتيبها، ومن قائمة المدعوين إلى الضيوف، ومن التنسيق المسبق مع المعدين والمخرجين والمصورين إلى قائمة المأكولات. جهد متواصل لا ينقطع قبل وأثناء وبعد هذه المناسبات. ثم تمر هذه المناسبات كسابقاتها من غير إظهار امتنان وشكر على المجهود المبذول من قبل المدعوين والضيوف.
وينفق أحدنا وقته بالأعمال التطوعية ومع اللجان الخيرية حول العالم، فهذه المنظمات تضم في صفوفها الكثير من المتطوعين والمبادرين الذين يعملون من غير مقابل، ويبذلون من غير مردود، وفي كثير من الأحيان يتعرضون للتشكيك بمصداقيتهم والتقليل من قيمة عملهم.
مواساة لمن يبذل الوقت والجهد ولا ينال التقدير الكافي، ولمن ينفق ويعطي ولا ينال الجزاء الوافي «بالدنيا»، التقدير الكافي والجزاء الوافي ينال بالرضا والتسليم والاخلاص، وليعلم أن التوفيق والنجاح والانتشار أمر إلهي خالص، لذلك يقول يحيى بن أبي منصور المنجم:
وعلي أن أسعى وليسعلي إدراك النجاح
ويقول علي العنبري:
وليس على الإنسان إنجاح سعيه
ولكن عليه أن يجيد المساعيا
النجاح «عزيز» لا يدرك بالجهد فقط، بل هي معادلة متكاملة الأركان، تبدأ بالجهد وتكتمل بالتوفيق، نعم التوفيق فمن اعتمد على ذاته أوكل لها، ومن اعتمد على مجهوده ركن إليه، ومن اعتمد على الناس خذل.
ما تكتبه يمثل قيمة عالية عندك لا عند غيرك فلا تشغل نفسك بغيرك، وما تقوم به تشعر به أنت دون سواك فلا ترهق روحك بسواك، وما تنجزه يستدعي الفخر فلا تحبط ذاتك لأن الغير لم يعطك التقدير الكافي.
نيل التقدير الكافي الله أعلم بمقداره الذي ينفعك، يقول تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، فالدرجة التي تريد الوصول لها قد لا تكون من صالحك، والمديح الذي ترغب في الحصول عليه قد لا ينفعك في دنياك ولا آخرتك، فكم من شخص تصدر ولمع ونال ما ناله وكان ما ناله وبالا عليه.
[email protected]