بالأمس القريب دار حوار بيني وبين إحدى صديقاتي عما أكتبه من مقالات، وفي أثناء حديثنا قالت لي إن رئيسها في العمل ينتقد مقالاتي ولا تعجبه فاستفسرت عن السبب لتصحيح ما أراه بالفعل لا يتماشي مع مجتمعي الذي أنتمي إليه، ولكنني وجدت نقده ينصب على نقطة واحدة وهي أنني لم أكتب عن المهازل التي تحدث عند صديقتي في العمل بل ويستغرب كيف أننا صديقتان وأعرف ما أعرفه عن إدارتها ولم أكتب شيئا عنه إلى الآن؟ أصابتني الدهشة من ذلك المسؤول ونقده الشخصي لما أكتبه وأنه لا يعجبه ما أكتب والسبب فقط يرجع إلى عدم قيامي بكتابة وسرد فضائح إدارته وقطاع وزارته كما لو أنني سخرت قلمي للكتابة المأجورة.
انتهى الحوار بيني وبين صديقتي دون أي تعليق مني على ذلك المسؤول وذهبت كل منا إلى حال سبيلها واتجهت إلى سيارتي وأنا أردد جملة واحدة في ذهني «القلم أصبح أقوى من الكرسي».
نعم القلم وحرية التعبير أقوى من أي منصب يصل إليه الإنسان، فذلك المسؤول الذي يمتلك زمام الأمور ينتظر من يقوم بكشف حقائق إدارته ووزارته رغم امتلاكه للسلطة والمقدرة على كتابة كل ما يراه من أخطاء في خطاب رسمي يوجهه إلى المسؤولين لتصحيح تلك الأخطاء، ولكنه للأسف ينتظر من يكتب له عن أخطاء وزارته وإدارته .
عجبا لهذا المنطق، كل هذا بسبب الكرسي والقيود الوزارية وشغف المناصب الإدارية، فرغم أن قانون الدولة يمنع النشر أو التصريح لوسائل الإعلام من أي مسؤول عن الأخطاء في الجهات الحكومية فإن الدولة لا تمنع مسؤوليها من مخاطبة المراكز العليا بتواجد خلل في أي إدارة ينتمي إليها، وذلك المسؤول الذي ينتمي لبعض الفئات التي أصبحت كثيرة للأسف في مجتمعنا لا يريد أن يقول إن هناك خللا في إدارته خوفا من غضب رئيسه وحرصا على كرسيه.
عجبا لكم يا من أمنتكم الدولة على مصالحها تنتظرون من يكتب عنكم لكي تضمنوا الحفاظ على كراسيكم، تظنون بذلك أنكم أمسكتم العصا من منتصفها، فتمسكون الكرسي من جهة وتثيرون الفتنة من جهة أخرى دون أن تسبب لكم أي ضرر على ما تصبو إليه أحلامكم.
أما الكاتب أو بمعنى أصح القلم الحر الذي لا تقيده أي قيود وزارية ولا يطمح لأي كرسي قيادي، ذلك القلم أعطيت له القدرة على أن يكتب فيما يريد ويخطو خطوات صادقة بين الوزارات والمجتمع بحرية معبرة في سطوره التي يقدمها لجمهوره، ذلك هو الكاتب، طير لا يحب القيود، يعشق أن يحلق في السماء، يتأمل الكون والمجتمع ويكتب ما يلاحظه وما يحلو له دون التفكير في القوانين والعقوبات الإدارية، ذلك هو القلم الذي إذا أصيب بأذى وجد من يدافع عنه، ولكن أقول في نهاية كلماتي ليس فقط لذلك المسؤول بل لمن ينتمون أيضا لتلك النوعية وأطلق عليهم «المنتظرين للمناصب»: sorry my boss.
كلمة وما تنرد: المادة 45 من الدستور تنص على انه «لكل فرد أن يخاطب السلطات العامة كتابة وبتوقيعه، ولا تكون مخاطبة السلطات باسم الجماعات إلا للهيئات النظامية والأشخاص المعنوية».
[email protected]