تؤكد دراسة صادرة من جامعة هارفارد أن 85% من نجاح الإنسان سببه اتقانه للمهارات الناعمة، هذا المصطلح الذي بدأ يسود المجتمعات الوظيفية ويصبح قناعة سائدة بأنها تعادل المؤهلات الأكاديمية بل قد تفضلها، وهو ما يفسر تفوق الكثير من متوسطي التحصيل العلمي في حياتهم العملية بعد الدراسة لأنهم أتقنوا تلك المهارات كالتواصل والقيادة واتخاذ القرار والتخطيط والمرونة واستثمار الوقت والإقناع والتفاوض.
تأثير المهارات الناعمة يتخطى نجاحات الفرد الشخصية إلى آفاق أرحب، فتمتد انعكاساتها على المجتمع والمؤسسات، فكثير من الشركات والمؤسسات لا تغريها الشهادات الأكاديمية المرموقة والتي تطلبت انزواء في صومعة المكاتب لسنوات لتعلم المهارات الصلبة كالبحث والتحليل والتصميم واستخدام الحاسوب والبرمجة بقدر ما تفتنها رشاقة المهارات الناعمة، لربما نلاحظ في المؤسسات شخصيات في مناصب قيادية أو أساتذة جامعات أو محامين أو مديرين لكنهم يفتقرون لمهارة التواصل مع الآخرين وديبلوماسية التعامل وفن اتخاذ القرار والتخطيط وفن الإقناع والتفاوض والذكاء الاجتماعي والتنظيم وحل المشكلات، يفرون من من مواجهة أي مسؤولية فرارهم من الأسد!
«الشهادة ورقة تثبت أنك متعلم، لكنها لا تثبت أنك تفهم» نجيب محفوظ.
في مناسبة اجتماعية التقيت بأحد المديرين بعد أن تمت إحالته للتقاعد قسرا بعد أكثر من 33 عاما قضاها في أروقة العمل الحكومي فرحا بطلتي الإعلامية كمذيع وبتقديم الورش التدريبية والبرامج الإذاعية والمحاضرات الجماهيرية فواجهني بحقيقة مرة أنه وبعد هذه السنوات نادم لعدم اتقانه مهارات تسعفه ويستثمر فيها طاقته بعد تقاعده فضلا عن أيام شبابه!
وبنظرة إيجابية، هذه المهارات يستطيع الإنسان اكتسابها وتعلمها بالممارسة، فأفضل طريقة لإتقان هذه المهارات هو تقييم أنفسنا تجاه كل مهارة من هذه المهارات والبحث عن نقاط الضعف وتحويلها لنقاط قوة عن طريق الإرادة ثم إيجاد الوسيلة المناسبة لتعزيز هذه لإتقانها سواء بالقراءة والاطلاع والمشاركة في الورش العملية والدورات التدريبية ومشاهدة بعض الأفلام التي تعزز بعضا من هذه المهارات، وحاجتنا لهذه المهارات تكمن كذلك في أننا نخضع لمنافسة شرسة في بيئات الأعمال تتطلب اتقان هذه المهارات للارتقاء الوظيفي وتحقيق نجاحات واسعة النطاق تمكننا من مواجهة تحديات جديدة والارتباط بعلاقات أوثق وتحقيق قفزات متتالية والتألق بأفكارنا الإبداعية.