لم يعد مستغربا أن ينشر مسؤول كبير أو حتى رئيس دولة على تويتر أو فيس بوك إعلانا مدفوع الأجر Prompted يتحدث فيه عن أخباره وزياراته ونشاطاته وإنجازاته! وهو ما يعكس مدى انتشار وتأثير وسائل شبكات التواصل الاجتماعي على كل فئات المجتمع، ويدل كيف غدت هذه الشبكات أداة مميزة للتأثير واقتحام العقول والأوقات في لمسة مفاتيح الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر بعد انتشارها بشكل واسع حتى أصبح من الاستحالة أن تجد أحدا من عامة الناس لا يمتلك حسابا شخصيا على إحدى هذه الشبكات! وهو ما يرغب مستطلعو الرأي والإعلاميون وغيرهما لقياس الرأي العام من خلالها.
تزداد القناعة بأن شبكات التواصل أصبحت وعاءا لتوجهات الناس ومعبرا عن أفكارهم التي يقدمونها على طبق من ذهب عبر هذه المنصات بأكبر قدر من الحرية مما يجعلها مكانا خصبا للتعرف على الأفكار والآراء المتجددة.
وعند مقارنة أدوات قياس الرأي التقليدية مثل استطلاعات الرأي مع أدوات البيانات الكبرى big data، والتي منها تحليل مضمون شبكات التواصل الاجتماعي والتي تصنف كبيانات مفتوحة open data في أغلبها سنجد أن لكل واحدة منها إيجابيات وسلبيات ومواطن ضعف وقوة، ولكن طريقة البيانات الكبرى هي الأكثر إغراء وتطورا والأقل كلفة والأسرع إنجازا، وأصبحت أكثر شمولها بربط معلومات ضخمة وتحليلها واستخراج نتائجها بطريقة برمجية مذهلة.
ليس خافيا ان الجهات الكبرى من حكومية وخاصة وجماعات ضغط وتأثير لا تستغنى عن استخدام كل هذه الأدوات، فترعى المخابرات المركزية الأميركية (CIA) وتطلب وتهتم بنتائج استطلاعات رأي في أماكن متفرقة من العالم وبالوقت نفسه وبالمواضيع ذاتها تدرسها من خلال مركزها الخاص برصد الشبكات الاجتماعية للتعرف على الآراء وردود الأفعال بشكل سريع، كما نشرت مجلة Atlantic قبل سنوات في تقرير بعنوان «كيف تستخدم المخابرات المركزية الأميركية الشبكات الاجتماعية لمعرفة كيف يفكر الناس؟».
ومع هذا الاهتمام والتطور والطلب الكبير، ظهر العديد من الجهات التي قدمت برمجيات عديدة، ومتنوعة لقياس الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكل واحدة ميزات ينبغي مراعاتها فبعضها يولي اهتماما أكثر ودقة في شبكة تويتر كأغلب الجهات حيث تعد بشكل عام أسهلها في رصد الرأي العام من فيسبوك على سبيل المثال.
ومن أشهر وأكبر هذه الجهات MAXQDA الألمانية، حيث تتيح برمجياتها توظيف البيانات الكبرى الكمية والكيفية واستخدام المنهجيات المتعددة Mixed Methods Research فضلا عن سهولة استخدام اللغة العربية، وكما تعقد MAXQDA مؤتمرات وجلسات تدريب وورش عمل متخصصة.
وفي العالم العربي، فقد اطلعت مؤخرا على برنامج (منجم الرأي العام)، والذي يعتبر - كما يذكر مبتكروه - بأنه أول نظام ذكي في تحليل توجهات الرأي العام في شبكات التواصل الاجتماعي. وكما يمكن الاطلاع شركات أخرى عديدة منها: LexisNexis، Meltwater، CARMA.
وكما أتاحت بعض البرمجيات المتوفرة والمجانية من تتبع فوري لمحادثات الرأي العام عبر شبكات التواصل أولا بأول من خلال استخدام مثلا «تويت فال» Twitterfall «تويت ديك» Tweet Deck لشبكة تويتر، بحيث يمكن وضع الكلمات التي تريد أن تصلك مباشرة في حال ورودها في «تويتر» وكما من السهل أن يتم وضع الكلمات التي تهمنا ليتم رصدها فور نشرها على شبكات التواصل.
وهكذا بعد أن أصبحت هذه الشبكات مكانا لتوجيه الرأي العام، وحرصت الحكومات والسلطات وشركات القطاع الخاص، والإعلام، وجماعات الضغط وغيرها على استخدامها للتأثير على الرأي العام، يجدر التنبه لبعض الأخطاء والتحديات، فمثلا حين يتم إطلاق الوسم (الهاشتاق) (#HashTag) المشهور في تويتر وثم تبعه فيسبوك بما يتيحه من إمكانية التعرف على أكثر ما يتحدث عنه الرأي العام كل دولة بالإضافة انها تسهل عملية تصنيف الأفكار في مكان واحد إلى حد ما، لتصبح هذه الوسوم مادة جيدة للصحافة لنقل وجهات النظر حيال قضايا متنوعة، مقابل ذلك أصبحت تستخدم بطريقة سلبية في تأسيس الوسم «الهاشتاق»، وثم توظيف بعض الأفراد المؤثرين لإطلاقه استثمارا للأعداد الكبيرة من المتابعين، وكما أن بعض الجهات لاسيما الحكومية توظف أعدادا كبيرة من المغردين أو ما يطلق عليه الجيش الإلكتروني لتوجيه ما ينشر على شبكات التواصل والرد على الخصوم.
وهكذا تتنوع غايات قياس الرأي العام باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين الإسهام المعرفي والعلمي وبين التأثير والضغط وتحقيق المصالح السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها مما يحتم على مختلف الجهات الاهتمام بهذه الأدوات لتحقيق غاياتها لاستخدامها بطريقة احترافية لتحقيق غاياتهم النبيلة.
يبدو أن قياس الرأي عبر شبكات التواصل الاجتماعي يزداد إغراء وسهولة، ولكن مع التحديات التي ذكرت وغيرها فيجب مراعاة الاطلاع على كل الأبعاد المنهجية والعلمية والاحترافية، ولعل التقرير التفصيلي الصادر عن AAPOR جمعية بحوث الرأي العام الأميركية حول الإعلام الاجتماعي وبحوث الرأي العام مفيد للمختصين والمهتمين.