لا يكاد يمر شهر دون أن يرسل لي أحد الأصدقاء أو الجهات تستفسر عن جودة استطلاع رأي أو أرقام دراسة ميدانية أو إحصائية، وهو ما يعكس حالة شك معروفة لدى أهل الاختصاص ويدركون أهميتها ومبرراتها، فأذكر كيف عرض رئيس الجمعية الأميركية لبحوث الرأي AAPOR في خطابه التحديات التي تواجه قياسات الرأي، واستثمر هذه الحالة وطرح مبادرة الشفافية Transparency Initiative، والتي تتجاوز بنود مواثيق مهنة استطلاعات الرأي لتصل إلى أن تفتح الجهة المنفذة لاستطلاعات الرأي أبوابها للجميع، تتيح الأرقام لمن أراد بشفافية ويتعرفون على تفاصيل تنفيذ الاستطلاع، لذا أعرض خمسة أبعاد مرتبطة بعملية قياس الرأي لتساعدنا في الحكم على مدى جودة الأرقام.
أول تلك الأبعاد هي الجهة الراعية والمنفذة لاستطلاع الرأي، فيما إذا كانت جهة احترافية وتدرك مهنية تنفيذ استطلاعات الرأي، ثم الوقوف على الأسباب والدوافع التي تقف خلف قيام تلك الجهة بتنفيذ الاستطلاع والتفرقة بين الجهة الداعمة والجهة المنفذة والجهة التي جمعت البيانات إذا كانت تختلف، أما البعد الثاني فيتعلق بعينة الاستطلاع، فمن المهم التعرف على خصائص العينة التي تم التطبيق عليها، وهل كانت منسجمة مع أهداف الاستطلاع أم لا، وكيف تم اختيار المشاركين، والتواصل معهم.
أما البعد الثالث، فيتعلق بأسئلة الاستطلاع نفسه، فيجب التنبه إلى كيفية صياغتها وترتيبها، وتسلسلها، فكما كتب صاحب كتاب «قوة استطلاعات الرأي»: «كم من السهل أن تسأل السؤال الخاطئ؟»
وبالنسبة للبعد الرابع فيتعلق بتكنيك الاستطلاع نفسه، والذي يندرج تحته الانتباه إلى الزمن الذي تم تنفيذ الاستطلاع فيه، فمثلا لو تم تطبيق استطلاع رأي حول الانتخابات، فيجب التنبه إلى توقيت إجراء الاستطلاع، والتعرف على ما إذا كان قد تم في زمن متقارب من الحدث سواء قبله أو بعده حتى يعطي نتائج دقيقة، أم أنه كان بعدها أو قبلها بفترة كبيرة، إضافة إلى ذلك من المهم التنبه إلى وجود هامش خطأ في الاستطلاع The margin of Error، واحتمالية وجود اختلاف بين نتائج العينة والآراء الحقيقية للسكان أو مجتمع الدراسة، أما فيما يتعلق بالبعد الخامس والأخير فيتعلق بالنتائج المنشورة لاستطلاع الرأي، والتي تحتاج إلى التدقيق في الأرقام المنشورة، وإعمال العقل فيها، وهل هي حقيقية أم لا، وهل تمت قراءتها بشكل مناسب واستخلاص النتائج الصحيحة، أم لا.
بعض هذه الأبعاد يمكن لغير المختصين فهمها ومراجعتها بسهولة، وثمة أبعاد أخرى تحتاج المزيد من الجهد والتمحيص كالاطلاع على الملفات الإحصائية، والتواصل المباشر مع القائمين على الجهة المنتجة للرقم، وهو ما يشكل تحديا كبيرا ليس من السهل على الجهات البحثية الاستطلاعية القبول به أو الاستجابة له فيزيدون صنعتنا شكا وزيفا.