لا شك ان طبائع الناس مختلفة وعقولهم متفاوتة، ولذلك نراهم أشتاتا في الآراء، متباينين في الميول والأهواء، ومن حق كل امرئ كريم ان يأخذ قسطه من حرية الرأي والاستقلال بالذات حتى يشعر بقيمته البشرية ومنزلته الإنسانية، وحتى يميز الله عز وجل الخبيث من الطيب عن طريق التفاوت والاختلاف، ولكن المجتمع تمر به احيانا، أزمات مزلزلة وخطوات مبلبلة مثل ما نعيشه هذه الأيام فتبرز قرون الفتنة وتبدو بوادر المحنة، وهنا يجب تناسي الأشخاص والذوات وسحق الأهواء والعصبيات، والتلاقي على شرعة الوحدة والإخاء التي تتعالى على الأحقاد والأضغان والمطامع، ولذلك حض الإسلام بأسلوب مؤثر على الاتحاد والاجتماع، قال الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، وقال عز من قائل: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فارق الجماعة قيد شبر خلع ربقة الإسلام من عنقه».
يحاول الشيطان قدر طاقته الشريرة ان يتعرض للأمة المؤمنة من حين إلى حين ليوجد في حصنها ثغرة، او يحفر أمام أقدامها حفرة، فإن استجابت لوسوسته ولم تنتبه الى خديعته أوقعها في فتنة فذاقت وبال أمرها، وكان عاقبة أمرها خسرا، والله عز وجل يحذر أمته من مخاطر الفتنة وعواقب الوقوع فيها، قال الله عز وجل: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا ان الله شديد العقاب). أي احفظوا أنفسكم وصونوا بنيانكم من التعرض للفتنة التي قد تبدأ صغيرة او مستورة، ثم تتزايد وتتوارد، وإذا الفتنة اتسع خرقها على الراقع وإذا لم تجد العلاج صيرت الديار خرابا لأنها حينئذ تعم وتجمع فتصيب الفاسد والصالح، أما الفاسد فلأنه سعى في الفتنة، وأما الصالح فلأنه سكت عن مقاومة الفتنة ولم يعاون على القضاء عليها وعلى أسبابها وبواعثها.
وقال الله عز وجل في ختام الآية السابقة: (واعلموا ان الله شديد العقاب)، وهذا تهديد ووعيد من الله عز وجل للأمة اذا تركت عقارب الفتنة تسعى بين ظهرانيها فلم تبادر الى علاجها.
والحذر كل الحذر من أولئك الذين يعملون على إثارة الفتنة والبلبلة والخلل ويسارعون الى التفريق والتمزيق تطلبا لمغنم رخيص أو مأرب خسيس، يقول الله عز وجل عن أولئك الفاسدين المفسدين: (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين).
يا أهل الكويت الطيبين اعلموا ان الأمن مطلب نبيل تهدف إليه المجتمعات البشرية وتتسابق لتحقيقه السلطات الدولية، والامن ضد الخوف وهو سكون القلب وذهاب الروع والرعب، والبلد الآمن الامين هو الذي اطمأن به اهله، وطلب الامن مقدم على طلب الغذاء، لان الخائف لا يتلذذ بالغذاء ولا يهنأ بالنوم ولا يطمئن في مكان، ولقد مر عليكم مثل هذه الايام الكئيبة والليالي الحالكة حيث ان الانسان كان لا يأمن على نفسه وأهله، تلك الشهور الحزينة التي سيطر فيها جيش البعث البغيض يقوده شيطان الانس صدام فأحال هذه البلاد الى خراب ولولا فضل الله ورحمته لابتلع هذه البلاد، ولكن الله سلم، فله سبحانه الحمد والمنة، فتذكروا يا اهل الكويت تلك الايام البغيضة التي اغتيل فيها الامن، فالامن مطلب ضروري لكل البشر، ومن مقومات الامن في الاسلام اجتماع الكلمة وطاعة وليّ الامر ما لم يأمر بمعصية والتحاكم الى شرع الله عز وجل، قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلا).
ومن هنا حرم الله عز وجل الخروج على ولي الامر وشق عصا الطاعة لما يترتب على ذلك من المفاسد واختلال الامن وحدوث الفوضى وتفرق الكلمة، كما هو مشاهد في المجتمعات التي استخفت بهذا الاصل ولم تحترم سلطاتها باسم الحرية.
ان السمع والطاعة لولاة الامر المسلمين اصل من اصول العقيدة اذ بالسمع والطاعة لهم تنتظم مصالح الدين والدنيا معا.
يقول الحسن البصري رحمه الله في الامراء: «والله لا يستقيم الدين الا بهم، وان جاروا وظلموا، والله لما يصلح الله بهم اكثر مما يفسدون، مع ان طاعتهم والله لغبطة وان فرقتهم لكفر».
ان الواجب على المسلمين توقير الامراء واحترامهم والنهي عن سبهم وانتقاصهم والتأليب عليهم، كما ان ملء القلوب على ولاة الامر يحدث الشر والفتنة والفوضى، وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها، فإذا حاول احد ان يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الامر ضاع الشرع والامن، وليعلم ان من يثور انما يخدم اعداء الاسلام فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال بل العبرة بالحكمة.
ولايزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأُخراهم، وان استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأُخراهم.
ولما أعطى الشارع ولي الأمر تلك المنزلة الرفيعة وجدت الناس مفطورين على تعظيمه واحترامه وهيبته ولا يخرج عن ذلك إلا ملوث الفطرة ضعيف الديانة ولذا قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: «ما يَزَعُ الإمام أكثر مما يَزَعُ القرآن»، ما يَزَعُ: يكف.
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله».
وفي رواية للإمام أحمد في مسنده: «من أكرم سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا أهانه الله يوم القيامة».
والمعنى ان من تجرأ على السلطان فأهانه بفعل أو قول فقد تعدى حدود الله، وارتكب محظورا شنيعا، فكانت عقوبته من جنس عمله المشين وهي أن الله عز وجل يقابل هوانه بهوانه وهوان الله أعظم وأشد.
وما هذا العقاب الصادم لمن أهان السلطان الا لما يترتب على إهانته من إذهاب هيبته وتجرؤ الرعاع عليه مما يتنافى مع مقاصد الشارع من نصب السلطان.
لا يجوز بحال من الأحوال ان نؤجج نار الفتنة ونفتح أبواب الشر بصراع داخلي قد تكون عواقبه وخيمة وان نحكم العقل فهو الموصل الى الأمن والأمان.
يا أهل الكويت اتقوا الله في أنفسكم اتقوا الله في وطنكم حافظوا على أمنكم وأمانكم وذلك بالرجوع الى كتاب الله وسنّة رسوله واتحدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان، ولسنا ندري ماذا يكون المصير من هول ما نرى وما نسمع، قال الله تعالى: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) صدق الله العظيم.
الا هل بلغت اللهم اشهد.
اللهم اجعل بلدنا هذا بلدنا آمنا مطمئنا سخاء رخاء الى يوم الدين وسائر بلاد المسلمين، اللهم انشر الأمن والأمان علينا وآمنا في أوطاننا وعافنا واعف عنا اللهم آمين.. آمين.. آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.