«يوم للعمل معا من أجل مستقبل أفضل وأكثر أمانا»، هو العنوان الذي اختاره صندوق الهولوكوست العالمي والذي يوافق الـ 27 من يناير كل عام، وهو اليوم الذي يتم فيه إحياء ذكرى الإبادة الجماعية للشعب اليهودي في ألمانيا وپولندا على يد الطاغية المجرم أدولف هتلر زعيم حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني والمعروف بالحزب النازي، وهي الجريمة التي تجلت فيها كل مظاهر البشاعة والاستبداد والطغيان بحق الأبرياء والآمنين من المستضعفين المدنيين، وقد شملت هذه الإبادة العرقية أيضا الغجر وذوي الاحتياجات الخاصة والسود والمثليين والمعارضين السياسيين، وكل من يقف عقبة أمام هوس هذا المجرم النازي الذي انتهج سياسة التطهير العرقي تعصبا للعرق الآري الذي ينتمي إليه.
وبسبب هذه الجريمة والتي تمثل وصمة عار في جبين الإنسانية، قضت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 ديسمبر 1946 بتجريم الإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي ومحاكمة مرتكبيها كمجرمي حرب، ولكن بسبب انتحار هذا الطاغية ووفاة الكثير من قادة الحزب النازي لم تعقد أي محاكمات لهذه الجرائم.
والحقيقة أن جرائم الإبادة الجماعية بحق الأبرياء والعزل لا يوجد في قواميس اللغات من مفردات ما يعبر عن بشاعتها، ولكن الأكثر إيلاما هو انتقائية المجتمع الدولي وردود الأفعال والتي تتسم بالعصبية الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية والمصالح السياسية بين الشعوب، وأن الدموع لا تذرف على الجريمة ذاتها ولكن على الهوية، فإن كانت الضحية منا فالحزن عميق والثأر مطلوب والمحاكمات فرض، وإن كان الضحايا من غيرنا فليذهبوا إلى الجحيم ولا نبالي بهم! جريمة الهولوكوست كأي جريمة إبادة لا تقل في بشاعتها عن مذابح وإبادة المسلمين في البوسنة على أيدي الطاغية الصربي ميلوسوفيتش، ولا تقل عن مذابح دير ياسين التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في فلسطين، ومذبحة مخيم صبرا وشاتيلا على أيدى حزب الكتائب اللبناني وجيش الجنوب اللبناني والجيش الاسرائيلي بحق الفلسطينيين واللبنانيين من النساء والأطفال والشيوخ، ولا تقل عن إبادة المسيحيين في نيجيريا على أيدى تنظيم بوكو حرام الداعشي، وكذلك جرائم إبادة المسلمين في أفريقيا الوسطى وبورما والصين، هذه الانتقائية البغيضة والانحطاط الأخلاقي وصلت حتى الى أتباع نفس الدين مع اختلاف مذاهبهم الدينية والسياسية ويظهر لنا بوضوح في العراق وسورية واليمن ولبنان وليبيا، والحروب الدينية في أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت في القرن السابع عشر، من منا يتذكر الآن الهنود الحمر في أميركا الشمالية وإبادتهم على أيدى المستعمر الأوروبي الأبيض والصراع البريطاني ـ الفرنسي على الأرض بعد إبادة سكانها الأصليين!
المزايدات الدينية والمذهبية من المتعصبين لن تخرس ألسنة الحق، وأقلام الحق يجب أن تخرس ألسنة المتعصبين الذين لا يقيمون للإنسانية والقيم الأخلاقية وزنا، ما أعظم الإنصاف والعدل وقول الحق والصدق، وما أسوأ التعصب والفساد وخراب الذمم، سنبكي الأبرياء من ضحايا الهولوكوست كما نبكي ضحايا الشعب الرواندي والكمبودي والهنود الحمر والمسلمين والمسيحيين واليهود والأبيض والأحمر والأصفر والأسود، سنبكي الجميع ونبكي على إنسانيتنا المهدرة، سنبكي على دماء سفكت على مذابح التعصب الديني والعرقي والسياسي، سنصرخ بأعلى صوت ونحن نقول ان من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، ونسأل الله جل وعلا أن يعم السلام والأمن العالم أجمع وأن يرزقنا الصدق والإخلاص في القول والعمل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.