على الرغم من أن ظاهرة الفساد ظاهرة تاريخية وعالمية، فإنه حتى الآن لم ينجح إلا القليل جدا من المجتمعات البشرية في القضاء عليها لكي تتحول إلى مجتمعات إنسانية بمعنى الكلمة.
والفساد بكل صوره هو أكبر لعنة تصيب أي مجتمع بكل الأمراض النفسية والبدنية، هو مجسم أو أيقونة الشر العظمى لبشاعة النفس البشرية، وما يمكن أن ينتج عن هذه البشاعة من دمار شامل لكل شيء وتوابع زلزال الفساد يستمر لعقود وأجيال لأن الفساد حينما يتحول من سلوك فردي إلى ثقافة اجتماعية يصعب جدا حصره لأنه ينتشر كالنار في الهشيم ليحرق كل ما يواجهه من أي محاولات إصلاحية لتقويضه.
وللفساد أنواع عدة نذكر منها مثلا الفساد الديني وهو الفكر المتطرف القائم على الفهم الأحادي للدين في العقيدة والعبادات والمعاملات والإقصائي للآخرين وإخراجهم بشكل مباشر أو غير مباشر من الدين والملة تمهيدا لتكفيرهم ثم قتلهم.
ثانيا، الفساد السياسي وهو ضعف البرلمان والأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والإعلام والرقابة الإدارية وبالتالي غياب مراقبة أداء الحكومة واختلال موازين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.. الفساد المجتمعي وهو القائم على العشائرية والطائفية والفئوية وإعطاء الأولوية للأقارب على حساب الأكفاء وغياب القانون لاعتبارات قبلية.
ثالثا، الفساد الاقتصادي ويتمثل في وجود القوانين المعرقلة للنمو الاقتصادي وهروب الاستثمار وبالتالي البطالة والفقر.. رابعا، الفساد الثقافي والتعليمي ويتمثل في غياب المنهج العلمي في التفكير واعتماد ثقافة الحفظ والتلقين بدلا من النقد والتحليل والتجريب وغياب المكتبات وأنشطة القراءة.
الفساد الأسري والمتمثل في كثرة حالات الطلاق وتفضيل الذكور على الإناث وغياب دور الوالدين خاصة الأب في التعايش مع الأبناء بمشاكلهم الخاصة والعامة وبالتالي ينعزل الأبناء ويستقون معلوماتهم وثقافتهم بدون تمهيد أسري من الخارج وتضعف الروابط ويتفكك المجتمع ويصبح الأبناء فريسة لاستقطابهم من تنظيمات متطرفة تودي بدنياهم وآخرتهم.
وهناك الكثير من صور الفساد في حياتنا لكنني اكتفيت بأبرزها وأكثرها وضوحا وجميع ما سبق هو بلا شك مدمر لأي مجتمع حيث تنتشر سرقة المال العام والإرهاب والاعتداء البدني واللفظي والرشوة والمحسوبية وغياب الشفافية والأنانية والدونية والضمير وضعف الانتماء للأوطان والفقر والجهل والمرض والتخلف وقمع القوي للضعيف.
وأي مجتمع يصل إلى هذه الحالة هو مجتمع يعيش ميتا ولا يقدر حتى أن يصل الى الحد الأدنى من الدفاع عن نفسه، هو مجتمع أقرب الى مريض نقص المناعة المكتسبة تفترسه الأمراض وينتظر نهايته، وعندما ندق ناقوس الخطر من الفساد العام والخاص فنحن يجب أن نقرع معه طبول الحرب على هذا الفساد، لن نقف مكتوفي الأيدي أمام أي مخرب للوطن، لأن الحرب على الفساد حرب وجود إما أن نحيا جميعا أو نهلك جميعا، وأتمنى من كل مواطن محب لهذا البلد العزيز على قلوبنا ألا يسكت عن أي فاسد ولنفضحه حتى يكون عبرة ومثلا.
ويجب أن نشعر بالغيرة من الدول التي نجحت بعزيمتها حكومة وشعبا في القضاء على الفساد إن كنا بحق مجتمعا مؤمنا بالله ولا يخشى إلا الله ولا يتوكل إلا عليه سبحانه وتعالى.
وأخيرا، نسأل الله عز وجل أن يحفظ بلدنا العزيز وأن يحفظ حضرة صاحب السمو أمير البلاد وسمو ولي عهده الأمين وأن يعينهما على أعباء الداخل والخارج وأن يلهمهما الصبر والتوفيق.