في تاريخ الأطعمة والمشروبات، المحلل منها أو المحرم، نجد أن بعضها تأرجح بين قوائم المنع وقوائم السماح حسب المزاج السائد، المعتدل أو المتشدد. ففي الكويت كانت بعض المحال في الماضي القريب تبيع لحوم الخنزير قبل ان يتم حظرها. وفي معظم دول العالم تعتبر المخدرات جريمة يعاقب عليها القانون، أما في هولندا فيسمح للناس بشراء المخدرات الخفيفة. وفي ألمانيا لا يقع تعاطي المخدرات تحت طائلة قانون «المواد المخدرة» الذي يحظر بيع المخدرات وترويجها لا تعاطيها. وأعود إلى الكويت لأشير إلى الطائر الأزرق «الخطوط الجوية الكويتية» التي كانت فيما مضى تقدم الخمور على متن طائراتها قبل ان تدرج المشروبات الروحية في قائمة الممنوع.
***
عند بداية معرفة الناس شرب القهوة في اليمن اعتبرها مشايخ الدين بدعة ينبغي محاربتها بحجة انها «لا تليق بمروءة الرجل»، فبقيت القهوة حبيسة جدران البيوت، محدودة الانتشار، يحتسيها الوجهاء والأعيان. وفي القرن الخامس عشر تسللت القهوة من اليمن إلى مكة المكرمة فعدت هناك من المسكرات وعارضها رجال الدين بشدة لأنها «تسبب العلل في الأبدان والضعف في العقول» قبل ان تتقلب بها الأحوال مع تغير وتقلب المشايخ وتبدل الفتاوى بين التعصب والاعتدال حسب الفتوى الموسمية. فتارة كان يسمح بتقديم القهوة للحجيج عند البيت العتيق، وتارة أخرى يتم جلد باعتها في الميادين العامة ويعزرون ويودعون في الحبس!
***
في كتاب «من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي» يذكر الباحث محمد الأرناؤوط «ان استقرار القهوة في الشام لم يكن سهلا، إذ إن الأمر كان يرتبط بالقاضي الموجود في دمشق، والذي كان يتغير من حين لآخر ويتغير معه الموقف برمته. وقد تسببت القهوة في مواجهات عنيفة بين المشايخ هناك، واستمر الخلاف حوالي قرنين من الزمن بين المؤيدين والمعارضين، ما جعل القهوة موضوعا فقهيا وأدبيا وسياسيا في دمشق ايام الدولة العثمانية». ويضيف الباحث بقوله: «ربما كان من سوء حظ هذا المشروب الجديد ان اطلق عليه اسم «القهوة» التي كانت من أسماء الخمرة عند العرب».
www.salahsayer.com
salah_sayer@