لو تمكن فاحص خبير، بصير، قدير، من انتزاع الأفكار والمعتقدات الدينية والسياسية والاجتماعية المستقرة في أذهان العديد من الناس واخضعها لفحص «ضبط الجودة» لأصيب بالدهشة أو الصدمة، وربما كتب تقريرا يوصي صاحب الذهن الملوث بالتخلص الفوري من تلك الأفكار والمعتقدات لرداءتها وفسادها ولانتهاء فعاليتها منذ قرون وعدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.
غير أن صاحب الذهن (نحن) راض بما لديه من أفكار ومؤمن بمعتقداته، ولن يصدق التقرير ولا صاحبه. وذلك بسبب فقدان النقد الذاتي وانعدام القدرة على التفكير السليم.
***
يحمل بعضنا أفكارا دينية ملوثة لا علاقة لها بأصل الدين، ويعرف المختصون في الدين والتاريخ مصادرها مثلما يدركون خطورتها. غير ان هؤلاء المختصين وان تمكنوا من شرح حقيقة فساد هذه الأفكار للمجتمع فلن يصدقهم أحد وسوف يمضي الجميع في دروب «الدعشنة» بدرجاتها المختلفة بسبب العجز عن التفكير السليم.
ومثلهم حملة الافكار السياسية القومجية الوهمية الذين وان عرضت عليهم الحقائق الساطعات وقوائم الخسائر والهزائم والتراجعات فانهم مستمرون في اعتبار عبد الناصر بطلا صنديدا وصدام حسين بطلا شهيدا، وتبقى العنزة عنزة وان طارت.
***
في المشهد جانب هزلي أو عبثي. فـ «الاخونجي» يسخر من «الناصري» ويعجب من أوهامه، وطوباويته، وتبريره لطغيان الدولة الأمنية. أما «الناصري» فبدوره يسخر من «الاخونجي» ويعجب من اخيلته المتعلقة بالدولة الدينية.
فالجميع «ينظر إلى القذى الذي في عين أخيه، وأما الخشبة التي في عينه فلا يفطن لها»، ذلك ان ذهنيتنا أو آلية التفكير لدينا تم تدريبها على «التعامي الانتقائي» وإهمال ما لا ترغب به وكأنه غير موجود. فهي لا ترى سوى ما تود رؤيته وتعمل على تضخيمه ليملأ المشهد الذهني ويقصي ما عاداه. ويعتبر هذا النوع من التفكير المصمت «العاجز عن الشك» أحد أسوأ أنواع التفكير الأعوج.
www.salahsayer.com
@salah_sayer