يقولون في الأمثال «من لا رأي له رأسه كمقبض الباب يديره من يشاء» وهذه حالة تاعسة بائسة خبرتها مجتمعاتنا العربية التي عرفت تقليد المجتمعات الأخرى رغم اختلاف ظروفنا عن الآخرين.
وأعرف روايات طريفة لا أجزم بمدى دقة بعضها عن حكايات التقليد ومحاكاة الآخرين. وأذكر، على سبيل المثال، تجربة الماركسيين في اليمن الجنوبي عندما تسلموا الحكم وكان لزاما عليهم تحويل الدولة «الفقيرة» إلى النظام الاشتراكي.
فقرروا تطبيق التأميم في بلاد خاوية لا أنشطة كبيرة فيها للقطاع الخاص مثل المصانع والشركات فلم تجد الحكومة «الثورية» سوى قوارب صيادي السمك الفقراء لتأميمها!
****
عرفنا التقليد وتقمص أدوار الآخرين. فكلما أمطرت السماء في موسكو كان الشيوعيين العرب يرفعون المظلة في بيروت أو بغداد، وكلما غضب عبدالناصر من الحكومة البريطانية كان الناصريون في الكويت يقودون المظاهرات المنددة بالإنجليز الذين حموا بلادهم من عبدالكريم قاسم! ذلك ان كل الهويات صالحة لاستعمال الشخص الذي لا يملك هويته الخاصة. فالأكتع صاحب اليد المقطوعة الذي ليس له أصابع يمكنه الزعم بأنه صاحب البصمة.
والجماعات الهشة العاجزة عن تحديد وجهتها تتحرك مثل الرخويات في البحر حين تتحكم بها التيارات المائية. فتارة تنتشر بيننا قبعة جيفارا، وتارة أخرى عباءة الخميني ثم عمامة الطالبان لزوم «الحفلات الفكرية التنكرية».
****
ومؤخرا بمناسبة فوز الرئيس رجب طيب اردوغان في الانتخابات الرئاسية في جمهورية تركيا لم نكتف برفع شعار حزب الرئيس «العدالة والتنمية» بل توغلنا في التاريخ الاجتماعي التركي ورفع بعض المتحمسين شعار قبيلة «كاي» وهي قبيلة تركمانية قدمت من آسيا الوسطى إلى هضبة الأناضول وخرج منها فاتح عسكري يدعى «ارطغرل» عمل في خدمة الدولة السلجوقية، ومن ابنائه «عثمان» مؤسس الامبراطورية العثمانية.
فنحن في هذه الحفلة التنكرية ماركسيون أكثر من كارل ماركس وناصريون اكثر من جمال عبدالناصر وعثمانيون اكثر من العثامنة الأتراك. والله المستعان.
www.salahsayer.com
salah_sayer@