يحق لأهلنا في المملكة العربية السعودية مليكا وحكومة وشعباً أن يحتفلوا بالعيد الـ 81 وهو بحق إنجاز عظيم لحكّام المملكة والذي تحقق على يد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيّب الله ثراه، وما تبعه من نهج حكيم من أبنائه الملوك الذين توالوا على سدّة الحكم ووصولا إلى العهد الزاهر لـ «أبي متعب» خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي استطاع أن يواصل تحقيق الإنجازات العظيمة التي شملت المواطنين وتحسين مستوى معيشتهم والمشاعر المقدسة وأكبر توسعة للحرم المكي في التاريخ، وجميع مناحي الحياة وسط متغيرات وأحوال يمر بها الوطن العربي من محيطه إلى خليجه العربي فيما يُسمى اليوم بربيع الثورات.
وأنا أشاهد وأفرح لكل هذه النجاحات التي تحققها المملكة اليوم، أتوقف طويلا أمام تاريخ وبطولات الملك عبدالعزيز – رحمه الله – فلقد استطاع بكل جدارة أن يحفر اسمه في ذاكرة التاريخ منذ نصف قرن واضعا نظريته للحكم والملك فبنى مملكة ولا كل الممالك، صنعها من العدم المطلق وانتزعها من براثن الفوضى والاضطراب والهمجية والتمزق وحوّلها إلى دار أمن وأمان محفوظة برعاية الله وبناها بصبر وإيمان معتمدا على الله عزّ وجلّ ثم مصحفه وسيفه يومذاك، وهو اليوم بحق رمز عالمي للعصامية بكل مفرداتها لأنه صنع ملكه بالعرق والدم ووحّد المملكة بجهاده وفكره وبُعد نظره وثقة رجاله وشعبه به، متجاوزا كل الصعاب، مستشرفا المستقبل، ففرض على العالم أجمع أن تكون شبه الجزيرة الصحراء الجدباء مركزا نابضا بالحياة رغم صعوبة وتداخل التاريخ والسياسة والجغرافيا حينذاك يوم كانت الجزيرة وما حولها «مطمعا» للدول الاستعمارية.
إن من يقرأ تاريخ وسيرة الملك المؤسس عبدالعزيز – رحمه الله – يدرك أنه أمام فارس يملك الشجاعة والحكمة والتديّن الذي ملك عليه حواسه وتفكيره فكان ان نظم القضاء وأعطاه حقه من الاستقلال والحرية وقرّب رجال الدين واستمع إلى نصحهم وأسند للمختصين القيام بمسؤولياتهم لأن الدولة بحاجة إلى التخصصات من موظفين أكفاء ومستشارين، وهنا تكمن عظمة الملك المؤسس، فهو يدرك أن الدعاة والمشايخ عندما يقولون: «اللهم ارزق وليّ أمرنا البطانة الصالحة..» فإنه هو المقصود بهذا القول فبادر بالبحث عن هؤلاء المستشارين الأخيار وكلنا نذكر ان الملك عبدالعزيز كان له مستشارون ذكرهم التاريخ مثل حافظ وهبة من مصر، ويوسف ياسين وخير الدين الزركلي من سورية، وبشير السعداوي من ليبيا، وفؤاد حمزة من لبنان، وجمال الحسيني من فلسطين، ومن العراق رشيد عالي الكيلاني... وكثير من الرجال المستشارين الذين لازموا الملك عبدالعزيز كل منهم في اختصاصه وخبرته.
كما كان له مستشارون من القبائل ممن يعرفون الأنساب والعادات والتقاليد وبذكائه وبرّه بأرحامه قرب إخوانه مثل الأمير محمد عبدالرحمن والأمير عبدالله بن عبدالرحمن والأمير مساعد بن عبدالرحمن ومن لم يكن مستشارا رسميا من الأسرة فهو محل احترام وتقدير عنده مثل سعود بن عبدالعزيز آل سعود المسمى بالكبير – رحمه الله.
وأخيرا أود أن أشير إلى ان الملك المؤسس بحكمته أخذ بالعفو والتسامح مع خصومه ولعله هنا أخذ بقول الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم
ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
عظمة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود تكمن في انه إنسان وملك استطاع بعفويته وقوة شخصيته أن يوثّق للعالم أجمع رؤية عالمية في الحكم، زاوج فيها بين الماضي وتراث الأجداد وبين مؤسسة الحكم بكل ما فيها من تحديات عصرية وتسلّح بروح العقيدة ليعطينا مجتمعا متمسكا بتعاليم الدين، وأن يشيّد مملكة مترامية الأطراف متماسكة عصيّة على الأعداء، وخلفه من بعده أولاده الملوك الذين أخذوا منه التجربة وساروا على نهجه طيلة 81 عاما لأنهم أعظم إنجازاته.
أمير قبيلة العجمان