بدأ تذمر ربابنة السفن من تصرف أمير البحار ماجلان ولم يظهر أي استعداد لقبول ذلك التدبير القاسي، وبدأ ربابنة السفن يتهامسون قائلين: إذا لم تكن المواد الغذائية كافية فلنعد إذن من حيث جئنا، ورد ماجلان على هذه الاعتراضات بخطاب قائلا للبحارة إنه ليدهشه أن يبدي رجال إسبانيون مثل هذا الضعف ناسين أنهم يقومون بهذه الرحلة من أجل ملكهم ووطنهم وأنه كان يظن أنه سيجد عندهم الشجاعة التي طالما تحلت بها الأمة الإسبانية، أما هو فيؤثر الموت على العودة ملطخا بالعار، وبقدر متاعبهم تكون المكافأة التي ينالونها من الملك.
وتفاقم التوتر بين الربابنة الإسبانيين وبينه بصورة شديدة الخطر.
وتأزم الموقف بينهم وأصبحت السفن في خطر، فإن تسعة أشهر انقضت وماجلان لم يعثر بعد على الممر المائي الذي ادعى أنه يعرفه ولم يصل إلى جزر ملوك جزر التوابل، وطلبوا منه أن يضع حدا للغموض وأن يجالسهم على منضدة واحدة ليتناقشوا في سير الحملة ومصيرهم.
ولكن أمير البحار ماجلان مضطر إلى إخفاء خطته وأن يضع أمامهم خريطة مرتان بيهايم لأن فيها إشارة خاطئة بأن الممر موجود عند خط عرض 40 درجة وليس في وسعه أن يقول لهم لقد خدعت بتقارير خاطئة وخدعتكم، ولذا عليه أن يظل كالأصم والأبكم ومصمم على الا يجعلهم يرغمونه على الإفصاح كيلا يفقد سمعته وسلطته وظن ماجلان أنه يستطيع تهدئه الخواطر بمظهر من مظاهر المجاملة فدعاهم إلى سماع صلاة القداس معه يوم عيد الفصح وتناول الطعام على مائدته في سفينة القيادة، ولكن الربابنة الإسبانيين لا يريدون بيع رضاهم بهذه السهولة، لذا بقيت مقاعدهم على المائدة خالية وأطباقهم فارغة، وهنا بدأ العصيان والتمرد من جانب الربان الإسبان، واستطاع ماجلان القضاء على هذا الصراع والتمرد والعصيان بعبقريته ومكره وشجاعته ودقته ورباطة جأشه، فقد اقتلع العصيان من جذوره.
أرغم فصل الشتاء سفن ماجلان على البقاء 4 أشهر في خليج سان جوليان والوقت يمر ثقيلا وحتى البطالة لا تؤثر على البحارة بالتململ، فقرر ماجلان أن يشغل أوقاتهم فأمرهم بإصلاح السفن التي أنهكتها رحلة دامت سنة كاملة، وأصدر تعليماته بقطع الأشجار وصنع ألواح الخشب إلى أن ظهرت بوادر الربيع، ففي الأسابيع الماضية القاتمة الباردة خيل للبحارة أنهم سجناء بقع جرداء لا إنسان فيها ولا حيوان، وذات صباح ظهر على قمة التل خيال رجل غريب طويل القامة قوي البنية أبيض الشعر، وثيابه من جلود موصول بعضها ببعض.
ثارت دهشة البحارة على الخصوص من منظر قدمي هذا الوحش البشري بسبب قدميه الكبيرتين، فأطلقوا على سكان تلك البلاد اسم «باتا جون» وعلى البلاد نفسها اسم «بتا جونيا»، ومعنى كلمة «باتا جون» بالإسبانية «القدم الكبيرة»، «ولا يزال اسم إقليم بتا جونيا والذي يقع جنوب الأرجنتين».
كما قرر ماجلان القيام برحلة كشف نحو الجنوب فأرسل لهذا الغرض السفينة سنتياغو وهي أصغر السفن الخمس بقيادة الربان الأمين سراو والذي كان عليه أن يفحص الخلجان الممتدة على الساحل وقد داهمت العواصف الهوجاء السفينة سنتياغو فدفعتها إلى الشاطئ وتحطمت السفينة وتمكن رجال السفينة من النجاة، وهنا أصدر ماجلان أمره باستئناف السفر في الرابع والعشرين من شهر أغسطس سنة 1520م من خليج سان جوليان وصمم على السير جنوبا في محاذاة الساحل حتى يجد المنفذ المؤدي إلى البحر والوصول إلى جزر ملوك جزر التوابل من جهة الغرب.
[email protected]